مهى زراقط
انتشار ظاهرة التنبّؤ يفضح القلق والخوف داخل المجتمع

حين سألت المذيعة المنجّم سمير زعيتر في بداية عام 2006 عن معنى «رؤيته» بأن «جريدة النهار ستبكي مرتين» (بعد استشهاد سمير قصير وجبران تويني)، رفض الإجابة مكتفياً بعبارته كما هي «منزلة» عليه.
المشهد تكرّر هذا العام مع ميشال حايك الذي رفض أي مناقشة أو سؤال يتعلّق بالصور المتراكمة في ذهنه، ويرغب في التخلص منها. وهو كان قد رفض العام الماضي الإدلاء بأي توقع رغم ظهورهالتلفزيوني. ولم ينس مطلع هذا العام المطالبة ببث ما بقي من توقعات ثبتت صحتها وكانت بقيت له في ذمة «ال بي سي».
سلوك هذين المنجّمين، وغيرهما، يأتي ليعزّز سلطة المنجمين التي طغت حتى على سلطة الإعلاميين بعد أن تحوّل معظمهم إلى مجرد مستمعين لمطرب يلقي مقاطع من أغنيته الجديدة التي «خصّ» بها المؤسسة الإعلامية.
هذا التناغم بين السلطتين (الإعلامية والفلكية)، حوّل البرنامج التقليدي لسهرة رأس السنة من محطة عابرة للتسلية إلى فيلم رعب سنوي، وخصوصاً أنّ معظم التوقّعات جاءت سلبية. غير أن اللافت هو حالة هذا «اليقين» التي لا تقتصر على المواطنين العاديين، إنما تتعداهم إلى السياسيين الذين وردت أسماؤهم في التوقعات. هم، ولو لم يصدقوا كما قالوا لنا، عاشوا حالة من القلق أو التساؤل... أو الفرح؟
بويز رئيساً للجمهورية؟
الوزير السابق فارس بويز (مرشح لرئاسة الجمهورية) ورد اسمه على لساني سمير زعيتر وماغي فرح. قال الأول إنه يرى مستقبلاً مهنّئين في بيته. وقالت فرح إن هذا العام هو لبرج الجدي الذي سيتبوأ مناصب مرموقة، لافتة إلى أن بويز هو من مواليد هذا البرج (وإن عددت أسماء شخصيات أخرى لأبراج قد تحقق نجاحات هذا العام). نسأل بويز عن رأيه فيقول إنه لا يصدق المنجمين، لكن هناك من أخبره بأن زعيتر رآه في هذه الصورة. لكن «ماغي أيضاً؟ ماذا قالت؟» يسألنا... نخبره فيضحك من دون تعليق.
ويقول منسق الاتصالات السياسية في التيار الوطني الحر جبران باسيل إنه لم يحفظ من «نبوءة» حايك إلا كلمة «المقرّبين» منه الذين ستطالهم عملية انتقامية تستهدفه: «هذا مزعج بغض النظر عمّا إذا كان حايك يقدّر بشكل صحيح أو خاطئ». ورغم أن باسيل يؤمن بالله وبأنه الوحيد «الذي يعطي الإنسان حياته ويأخذها منه»، يرى أن هذا التوقع يثير الذعر: «لم يقل لي ما لا أعرفه عن خطورة الوضع الأمني، لكن أن يتم ذكر الأسماء، فهذا يربك أشخاصاً قد لا يكونون قادرين على تحمل كل القلق الذي يسببه هذا التوقعالنائب وائل أبو فاعور الذي رآه حايك في «مشهد انتقامي مماثل مع مصباح الأحدب» يبدأ حديثه بالإعلان عن رغبته في الدعوة إلى عزاء مسبّق له ما دام يعرف مصيره هذا العام، لكنه يطلب خدمة إضافية من حايك: «أريد أن أعرف الموعد المقرر عساني أكون حاضراً».
هذه هي الإجابة الأولى. لكنها لا تنفي حالة الإرباك في العائلة، «لا يمكن أن تحرمي الناس متابعة التوقعات، لكن هذا لا يلغي سلبياتها بسبب ذكر الأسماء ليلة العيد. حتى من لا يؤمن بها يحصل معه إرباك».
صدقية الإعلام
رأي لا يوافق عليه عدد آخر من السياسيين الذين اتصلوا بالإعلامية زينة فياض ليسألوها إن كان المنجم سمير زعيتر قد ذكر أسماء أخرى تحت الهواء. وهنا نصل إلى وجه آخر للقضية، وهو إطلالة هؤلاء المنجمين في مقابلات تلفزيونية مع وجوه إعلامية تتمتع بصدقية لدى الجمهور: زافين قيومجيان (كارمن شماس) وزينة فياض (سمير زعيتر) وطوني خليفة (ميشال حايك). ناهيك بالصدقية الشخصية التي تتمتع بها الإعلامية ماغي فرح. فما سبب إغداق هذه الصدقية على الفلكيين؟
لا يخفي زافين أنه تردد قليلاً قبل الموافقة على استضافة زميلته في «المستقبل» كارمن شماس. «تردّدت لأنني لا أؤمن بالأبراج وقد يضر هذا بصدقيتي، لكنني عدت وفكرت بطريقة مختلفة. باتت استضافة الفلكيين تقليداً سنوياً ومن الجيّد أن يقوم الإعلامي بتقديم برنامج تقليدي، وخصوصاً أنه سيحقق نسبة مشاهدة مرتفعة بين اللبنانيين الذين قد لا يكونون من متابعي سيرة وانفتحت».
أما زينة فياض فتستنكر هذا السؤال «لأن هذا عملي»، وتسأل في المقابل: «فيم يختلف الفلكي عن السياسي؟ هل أنا أصدّق السياسي في كل ما يقوله أو أعطيه صدقية إذا استضفته؟
طوني خليفة، الذي اعتاد مقابلة ميشال حايك، وضعه مختلف. فهو منزعج من حملة رجال الدين عليه التي وصلت إلى حد تسميته بالاسم. ويرى أنه قام بعمله «ولو لم استقبله أنا كان غيري سيفعل»، مشيراً إلى أن ما يعنيه هو سعادته بتقديم تسع ساعات على الهواء بعد غياب سنة كاملة عن الشاشة. لكنه لا ينكر أن ميشال حايك وضع شروطاً للمقابلة، منها رفضه المسبّق لأي نقاش: «رضخت لأنني لم أحب أن أدخل في الجدال. وهي لم تكن حلقة لمناقشته. كان مطلوباً مني استضافته ليقول توقعاته، وقد حققت الحلقة نسبة مشاهدة خيالية».
رد الخطر والاطمئنان؟
لكن لماذا هذ النسبة الخيالية من المشاهدة؟ والتصديق؟ يرى أستاذ علم الاجتماع عباس مكي أن التنبؤ يفترض أن الغيب مقلق ومزعج ومخيف «وقد تشكل الأوضاع التي يعيشها لبنان العامل الرئيسي الذي يدفع الناس إلى تصديق هذه التوقعات التي تعتمد على قانون المصادفة». ويقدّم مكي مقاربة مزدوجة للموضوع. الأولى تتعلق بالمنجمين، التي تفترض طرح عدد من الاسئلة منها: من أين يأتي المتنبئ بالمعلومات؟ هل يقرأ الأحداث ويحللها، أم يحصل عليها من علاقاته؟ مشيراً إلى دور مهم للإطلالة التي يظهر فيها المنجم على الناس: «بعضهم يؤدّي دوراً تمثيلياً، ويتخذ وضعية إيحائية ممارساً سحره على الناس ليقنعهم بما تنبأ به».
أما الشق الثاني، فيتعلّق بالناس المتشوّقين لمعرفة الغيب. وهناك نوعان: من يرغب في رد الأمور السيئة من خلال معرفتها مسبقاً وبالتالي التحصن منها، ومن يرغب في تجنّب المكروه، «وهو عندما يعرف أن الأمر سيطال غيره يطمئن إلى أنه صار بعيداً عن الخطر».


... وفي أميركا
لم تنجُ الولايات المتحدة الأميركية من ظاهرة المنجّمين. فقد أطلّ المذيع الديني «بات روبرتسون» على مشاهدي برنامجه (the 700 club) بخبر زيارة الله له وإبلاغه بأن العام 2007 سيكون عام الإبادة الجماعية نتيجة عمل إرهابي.
وأوضح روبرتسون أن الله الذي زاره خلال صلاته لم يقل له إن الاعتداء سيكون نووياً، لكنه شخصياً يعتقد أنه قد يكون كذلك.
يذكر أن روبرتسون ناشط سياسي مع اليمين المسيحي المحافظ. وكان قد دعا في وقت سابق إلى اغتيال الرئيس الفنزويلي هوغو شافيز.



لا أحد يذكر ما لم يصحّ من التوقّعات

نجح قانون الصدفة في منح المنجّمين اللبنانيّين بعض الصدقيّة لتوقّعات يمكنها أن تكون عبارة عن تحليلات سياسية. وإذا استعدنا ما توافر لنا من هذه «النبوءات»، نلاحظ أن معظمها، سياسياً، قام على شائعات متداولة أصلاً في أوساط اللبنانيين. ويبدو واضحاً أن ما صح منها كان مبنياً على معلومات أكثر منها «صوراً» و«رؤى». (تأخذ مثلاً توقعات حايك في العام 2005: السيدة ستريدا جعجع في طريقها إلى خط سياسي كبير. مراكز وبيوت لـ«القوات اللبنانية» في أكثر من منطقة لبنانية. شخصيات لبنانية وأجنبية بارزة تعقد للمرة الأولى لقاءات مهمة مع وجوه قواتية وأكثر من شخصية تصل من خارج لبنان لمحاورة رموز قواتية كبيرة).
أضف إلى ذلك أنّ بعض ما قيل عن نبوءات صحّت لم يكن أكثر من توقّعات عامة لا علاقة لها بزمان أو مكان (وجه نسائي لبناني يحلّ محلّ شخصيّة معروفة، ويتبوّأ منصباً مرموقاً: فُسّر أنه منصب الوزيرة ليلى الصلح).
واللافت أن غالبية المنجمين باتت تعطي نفسها مدة زمنية أطول من عام كامل لتحقّق «نبوءاتها» مثل الزلزال الذي ينتظره اللبنانيون منذ عامين ولم يقع، علماً بأن كلّ لبناني درس الجغرافيا في المدرسة يعرف أن بيروت، التي غرقت مرتين، مهددة بزلزال. أما بالنسبة إلى الفيضانات والأعاصير، فهي مرتبطة بالاحتباس الحراري الذي سيسبّب بالضرورة هذه الكوارث، مع تنجيم ومن دونه.
ماذا إذا استعدنا بعض النبوءات، من كتب ومقابلات، التي لم تصدق والتي يعود بعضها حتى إلى العام 2004؟
سمير طنب
ــ تستمر عملية تبادل الأسرى مع اسرائيل وتعتبر سنة 2005 حاسمة في موضوع إنهاء هذا الملف.
ــ قد تنسحب إسرائيل من مزارع شبعا بين النصف الثاني من العام 2005 والنصف الأول من العام 2006. وقد يحدث اتفاق لبناني ــ سوري ــ إسرائيلي برعاية أميركية يقضي بتراجع المقاومة اللبنانية مسافة 30 كلم، ويستلم الجيش اللبناني والقوات الدولية الأمن على الحدود وفي داخل الجنوب، ويدخل لبنان وسوريا في عملية السلام المدعومة أميركياً.
سمير زعيتر
ــ «النهار» تبكي مرّتين. شخصية دينية مرموقة بمثابة مرجعية في ذمة الله. رجل دين مسيحي مهم جداً جداً يصلب مرتين. سيتعرض رئيس الجمهورية لضغوط كبيرة تجبره على إعلان استقالته، كما أن الناس سيفاجأون بتغيير في مواقفه. وليد جنبلاط سيترك المعارضة، واليوم هناك بوادر عدة تؤكد هذا الموضوع، وهذا الموقف سيعرضه لخطر كبير. بري في مواجهة سوريا.
ــ اختفاء شهود في قضية اغتيال الرئيس الحريري وموت شاهد أساسي في عملية الاغتيال، واختفاء شاهد سوري مهم (وقال لجريدة «الرأي العام» إن نتيجة التحقيق سوف تصدر بعد ثلاثة أشهر).
ــ اغتيال شخصية لبنانية تحدث زلزالاً أكبر من الزلزال الذي أحدثه اغتيال الحريري.
ــ سيكون الوليد بن طلال المستفيد الأكبر، وسيفاجأ الناس بأن جهات تطلب منه أن يؤدي دوراً في لبنان مماثلاً لدور رفيق الحريري.
ميشال حايك
ــ حلّ غير متوقّع لجزء مهمّ من الدين العام في لبنان. بداية حل لمشكلة كهرباء لبنان، تعثّر ثم حلّ جذري. تلفزيون لبنان على طريق استرجاع عز الماضي. اتفاق الطائف يخضع لعملية تعديل واسعة. لقاء بين دمشق وبكركي. بالنسبة إلى التوطين، ليس كل الفلسطينيين باقين في لبنان، والمغادرون ليس كلهم إلى فلسطين.
ــ بداية عمليات التنقيب عن الثروة الموجودة في باطن الأرض اللبنانية (كان الوزير محمد فنيش اقترح هذا الأمر، لكن تبين أن كلفته تفوق ما قد يعثر عليه)، وإذا استخرجت تكون كفيلة بسد عجز الخزينة اللبنانية. العرب في الفضاء الواحد تلو الآخر.
ــ أكثر من دولة عربية ستقوم بمصالحة مع إسرائيل. في المرحلة المقبلة البعيدة، يرى جامعات ومدارس عربية ستفتح فروعاً لها داخل إسرائيل. الرئيس مبارك لن يكون في مأمن. مخططات مشبوهة للنيل من صحة الرئيس الليبي معمر القذافي.
والأهم، سوف يكشف النقاب عن أسلحة الدمار الشامل.