إبراهيم الأمين
تلقّت مراجع قوى 14 آذار تقويماً جديداً من الولايات المتحدة الأميركية في شأن الوضع في المنطقة. واستمع كل من وليد جنبلاط وسمير جعجع وسعد الحريري الى تقويم في شأن ملف العلاقات الأميركية مع سوريا وإيران، والتصور بالنسبة إلى مستقبل الوضع في لبنان. وحصل نقاش بحضور السفير الاميركي في بيروت جيفري فيلتمان الذي أبلغ رسمياً الحلفاء في لبنان أنه تقرّر نقله من بيروت قبل نهاية الربيع المقبل. وعُلم أن الأميركيين أوضحوا النقاط الآتية:
أولاً: إن الإدارة الأميركية تعمل هذه الفترة تحت ضغط كبير من جانب الجيش والمؤسسة الأمنية التي تلح على مبادرات سريعة باتجاه سوريا وإيران بغية التوصل سريعاً الى حلول للأزمة في العراق حيث تتجه الأمور أكثر فأكثر نحو صعوبات أبرزها توسع المشاركة الشيعية في أعمال المقاومة ضد قوات الاحتلال هناك، حيث تبيّن للأميركيين أن غالبية العمليات التي حصلت خلال الشهرين الماضيين قد نفذتها مجموعات شيعية تعتقد الولايات المتحدة أنها تحظى بدعم متنوّع من جانب إيران وسوريا و“حزب الله”.
ثانياً: إن الإدارة الأميركية تدرس هذا الواقع انطلاقاً من حسابات متنوعة، وهي لا تقف فقط عند الاعتبارات التي تهم الجيش، لكنها تتجه حكماً نحو حوار مباشر مع سوريا وآخر غير مباشر مع إيران. وهي مهتمة بالتوصل الى تفاهمات سريعة مع دمشق كالتي حصلت بعد إقرار العلاقات الدبلوماسية بين الأخيرة وبغداد، إضافة الى الاعتبارات التي تخص الفريق السياسي الموالي للولايات المتحدة في بغداد بما ذلك فتح قنوات للتحاور المباشر مع المجموعات السنية دون المرور حكماً بالقناة السورية، وهذا الأمر يعمل عليه كل من السعوديين والأردنيين.
ثالثاً: إن الولايات المتحدة الأميركية لا تريد أن يكون الحوار على حساب مصالحها في لبنان وفلسطين وهي تدرس الخطوات انطلاقاً من ذلك، وتسعى فعلياً الى منع أي انعكاسات سلبية لهذا الحوار على وضع المجموعات المتعاونة معها في لبنان وفلسطين، لكنها تريد من هؤلاء أن يعرفوا ما يحصل وأن لا يتصرفوا على أساس أن المواجهة مفتوحة بين واشنطن وسوريا كما كانت عليه الأمور قبل سنة من الآن.
رابعاً: أبلغت قيادة 14 آذار أن الاتصالات بسوريا يجب أن تظل محصورة عبر القناة الأميركية وأنه ليس مستحباً أن تبادر قوى لبنانية الى هذا الأمر، علماً بأن وليد جنبلاط على الأقل شنّ حملة عنيفة على هذا المنطق وطالب الولايات المتحدة بموقف حاسم رافض لأي تسوية مع دمشق قائلاً: لا يمكن أن ندفع نحن مرتين ثمن سياستكم في المنطقة: مرة عند الدخول الى العراق ومرة عند الخروج منه، نحن لن نقبل بهذه السياسة. لكنّ جنبلاط يعرف أن من نقل إليه التعليمات الجديدة لم يكن في وارد مناقشته في الاستراتيجية الأميركية الجديدة بقدر ما كان يبلغه الخطوات الواجب اتّباعها من الآن فصاعداً.
بناءً عليه، تجد الولايات المتحدة أن مسألة المحكمة الدولية تبقى هي الأساس في المرحلة المقبلة، وبات واضحاً لمعظم القوى اللبنانية المعنية بهذا الأمر أن السعي إلى امتلاك ورقة المحكمة ليس سعياً إلى كشف الحقيقة بقدر ما أن الأميركيين يريدونها كنوع من الكفالة المصرفية التي تضعها سوريا في الحساب المصرفي أثناء التعاون في ملف العراق، لأن واشنطن ترى وتقرّ بأنها خلال سنة على الأكثر من الآن سوف تدخل في واقع جديد في العراق وفي المنطقة، ومن الصعوبة بمكان تكرار السياسات التي قامت حتى الآن بما ذلك سياسة التخريب والترهيب. وهي تخشى أن تمر هذه الفترة من دون أن تكون بيدها ورقة الضغط الفعلية التي تجبر سوريا على التعاون دون أي تعديل في التفاهمات الجاري العمل عليها حتى الآن، وهو الأمر الذي يتطلب إقرار المحكمة، ما يجعلها ورقة لأجل تحويلها الى أداة ردعية لا إلى أداة عقابية، الأمر الذي أدركته السعودية ومصر والأردن لكن في لبنان حتى الآن من لم يفهم الأمر بعد على هذا النحو برغم ما نقله رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان عما افترضه من مطالب لإدخال تعديلات جوهرية على قانون المحكمة.
في هذه الأثناء كان البحث يتركز على حقيقة الموقف السعودي وماذا يجري هناك. وهل نحن حقاً أمام سياسة محاور داخل المملكة بخلاف كل تاريخها السياسي، ولا سيما أن المتصلين بوزير الخارجية سعود الفيصل سمعوا قلقاً متزايداً وخشية أكبر بكثير من السابق من حصول انفجار في لبنان يهدد المنطقة بأكملها، وأن الرياض لا تريد بأي شكل من الأشكال تحمّل مسؤولية وتبعات هذه المواجهة التي ستقود الى صدام عنيف مع إيران. لكن السعودية نفسها باتت تقرّ بأن الأمر ليس بيدها وحدها وأن هناك ضغوطاً أميركية لا يمكن التفلت منها. وهي ترى أن المدخل للحد من الطلبات الأميركية يكون من خلال إقرار المحكمة الدولية.
وقد سمع الكثر من زوار المملكة كلاماً منسوباً الى الملك السعودي الذي يبدي اهتماماً خاصاً بالرئيس فؤاد السنيورة ويكاد لا يأتي على ذكر النائب سعد الحريري. ثم هو يشير الى أن وجهات نظر كثيرة لم يتسنّ له الاطلاع عليها. ويبدو أن وزارة الخارجية هناك تواجه مجموعة بندر بن سلطان التي لا تريد أي تواصل بين المملكة وقوى المعارضة في لبنان إلا من خلال السفير في بيروت، الذي يبدو أنه بات، برغم كل الثقة التي يتمتع بها من جانب الجميع، في وضع لا يحسد عليه. وهو يعرف أكثر من غيره أن الأمور لن تعود قابلة للحل بالوساطة المستخدمة الآن. لكن اللافت أن سعود الفيصل تحدث للمرة الأولى عن موقف المملكة الحيادي، وأشار الى أنه ليس بمقدورها الضغط بصورة كاملة على فريق 14 آذار.
وقد احتج فريق 14 آذار بقوة طالباً أن تتوقف الولايات المتحدة عن هذه الاستراتيجية وأن يصار الى توسيع الضغط على سوريا، وهو في هذه الحالة يسعى مع الرئيس الفرنسي جاك شيراك إلى القيام بالأمر نفسه وخصوصاً أن الأخير ودوائره في مناخ أن سوريا وإيران تريدان تجميد الوضع في لبنان حتى ما بعد الانتخابات الفرنسية، ولا مانع لديهما من أي تطور ولو سلبياً، لكنهما تراهنان على خروج شيراك من الحكم وعلى تقليم أظفار الولايات المتحدة الأميركية من جهة ثانية، وأن يصبح الدعم الأميركي مقتصراً على بيانات وكلام لا أكثر ولا أقل.