طارق ترشيشي
أقدم «حزب الله» الأسبوع الماضي على ثلاث خطوات سياسية كبيرة تستدعي التوقف عندها بكثير من الاهتمام لما يُتوقع أن يكون لها من انعكاسات على مستقبل الأوضاع ودور الحزب المؤثر في صنعه في ضوء ما ستؤول اليه المواجهة السياسية الحامية الدائرة بين فريق السلطة والمعارضة، التي بدأت على ما يبدو تقترب من نهايتها.
الخطوة الأولى كانت استقبال الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله السفير المصري في لبنان حسين ضرار للمرة الأولى، وقيل إن ضرار نقل الى السيد في جانب من اللقاء تحيات رئيس الحكومة المصرية أحمد نظيف ومدير المخابرات العامة اللواء عمر سليمان.
والخطوة الثانية كانت اللقاء الطويل الذي عقده رئيس كتلة الوفاء للمقاومة النيابية النائب محمد رعد مع رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان الذي كانت له أخيراً جولة على دمشق وطهران.
والخطوة الثالثة كانت زيارة وفد قيادي من الحزب للمملكة العربية السعودية واجتماعه لساعات مع العاهل السعودي الملك عبد الله بن عبد العزيز وإطلاعه على تصور الحزب وحلفائه في المعارضة لمعالجة الأزمة. وفيما تقول أوساط سياسية إن هذه الخطوات الثلاث تشير الى حصول وضع يد إقليمية على لبنان، فإن الأمين العام لجامعة الدول العربية عمرو موسى ينتظر حصول انفراجات عربية ـــ عربية ليعود الى بيروت لحل العقد اللبنانية ـــ اللبنانية عبر استئناف مبادرته لإنهاء الأزمة بين السلطة والمعارضة من النقطة التي انتهت اليها أو بأفكار مطوَّرة. وترى هذه الأوساط أن زيارة وفد حزب الله للسعودية واستقبال السيد نصر الله للسفير المصري يمثّلان مؤشراً إلى بداية هذا الانفراج، وتضيف إليهما مؤشرين آخرين برزا هما ما قاله ولي العهد السعودي الأمير سلطان بن عبد العزيز من كلام إيجابي عن سوريا لصحيفة «الشرق الأوسط» حيث وصف العلاقات السعودية السورية بأنها «علاقات متينة وتاريخية بين الشعبين والحكومتين»، معتبراً أن «ما تسميه بعض وسائل الإعلام بالفتور في العلاقة بين المملكة وسوريا الشقيقة، ما هو إلا انعكاس لتحليلات إعلامية مبنية على فرضيات غير صحيحة من تصنيف وتقسيم البلدان العربية إلى تحالفات ومحاور. ونحن في المملكة العربية السعودية وغيرنا من الدول العربية ضد سياسة المحاور ونعمل دائماً على تدعيم وحدة الصف العربي من أجل استعادة الحقوق العربية».
وفي اعتقاد هذه الأوساط فإن موسى ينتظر مبادرة ما للرئيس المصري حسني مبارك لتطبيع العلاقة بين دمشق والرياض يمكن أن تنتظر رداً سورياً إيجابياً على الموقف الإيجابي الذي أعلنه ولي العهد السعودي، فإذا نجح مبارك في ترتيب قمة ثلاثية تجمعه بالرئيس السوري بشار الاسد والملك عبد الله يمكن توقع انفراج واسع في الوضع اللبناني يؤسس لمعالجة فعلية للأزمة بين السلطة والمعارضة.
لكن المعطيات المتلاحقة ميدانياً وعلى مستوى المواقف تشير الى أن كلا الطرفين المتنازعين لم يخرج بعد من منطق التصعيد، ففي الوقت الذي ستبدأ المعارضة فيه طوراً جديداً من التصعيد تحدده اليوم ويبدأ غداً بتحرك الاتحادات العمالية، فإن السلطة مستمرة في خياراتها ومواقفها وقد تلجأ الى عقد جلسة لمجلس النواب برئاسة نائب رئيس المجلس فريد مكاري.
على أن بعض أركان المعارضة يتحدثون عن أن لدى فريق السلطة اتجاهاً لشن «حملة عنيفة» قريباً على رئيس مجلس النواب نبيه بري، كان قد أسّس لها رئيس «اللقاء الديموقراطي» النائب وليد جنبلاط بوصفه بري بأنه «مخطوف» لدى المعارضة وتحديداً لدى «حزب الله». ويلوّح هؤلاء بأن المعارضة يمكن أن ترد على هذه الحملة اذا حصلت بتوجه الرئيس بري ونوابها الى رئيس الجمهورية العماد إميل لحود طالبين منه إصدار مرسوم يعتبر فيه حكومة الرئيس فؤاد السنيورة مستقيلة استناداً إلى الفقرة «ي» من مقدّمة الدستور التي تقول أن «لا شرعية لأي سلطة تناقض ميثاق العيش المشترك»، ولأن الحكومة باتت في رأيه ورأي بري والمعارضة «فاقدة الشرعية الدستورية» بعد استقالة وزراء الطائفة الشيعية منها.
لكن أوساطاً سياسية تستبعد وصول الأزمة الى درجة الانفجار بما يُخرج المواجهة السياسية عن إطارها الديموقراطي، وتتوقع أن تتوافر مخارج لهذه الأزمة لا حلول لأن هذه الحلول متأخرة في انتظار ما ستتمخض عنه التحركات الإقليمية والدولية الجارية على ساحة المنطقة، وهذه التحركات أعادت توازناً ما الى البلاد وإن كانت الرغبة في الاعتراف به غير موجودة، وهو توازن ناتج من مُركّب إقليمي دولي. وإذ تعتقد هذه الأوساط أن كلا الطرفين المتنازعين أقوى من أن يُهزم وأضعف من أن يحكُم ويستأثر، فإن وتيرة المواقف التي يتخذانها تشير الى أن المواجهة بينهما لا تزال مؤجلة في انتظار «حسم سياسي» للمعركة كل يتوقعه لمصلحته.