طارق ترشيشي
يتجه الوضع الداخلي، بعدما انتهت هدنة الأعياد، إلى جولة جديدة من المواجهة بين فريق السلطة والمعارضة، يمكن أن تستدرج الوساطة العربية مجدداً أو تدفع بالأوضاع إلى العمل بمنطق الحسم. لكن ما يتحكم بهذه المواجهة أمران:
الأول رغبة المعارضة في التأكيد لجمهورها وللسلطة (التي روجت عنها بأنها في الاعتصام المفتوح وصلت إلى سقف تحركها) أن زمام المبادرة ما زال في يدها وأن التزامها الهدنة في مناسبة الأعياد إنما كان تجاوباً مع مساعي الأمين العام لجامعة الدول العربية عمرو موسى لمعالجة الأزمة القائمة وإفساح المجال له لاستكمال اتصالاته الخارجية لإنجاح المبادرة التي يعمل عليها من جهة، واحتراماً منها لمشاعر اللبنانيين في هذه الأعياد ورغبتهم في تمضيتها في أجواء غير متوترة.
وبدا مما قررته المعارضة من تحركات في اتجاه كل الوزارات والمؤسسات والمرافق العامة أنها استعادت زخم تحركها مستفيدة مما «منحتها» إياه ورقة الإصلاحات الاقتصادية التي أعدتها الحكومة تحضيراً لطرحها في مؤتمر باريس ــ 3 حيث تضمنت هذه الورقة مادة تمس الحياة المعيشية والاقتصادية والاجتماعية لجميع اللبنانيين ولا تمس المعارضة أو الموالاة فقط.
وفي خضم هذا التصعيد المتبادل يمكن التوقف عند مؤشرين: الأول هو البيان الذي أصدره رئيس كتلة المستقبل النيابية النائب سعد الحريري. إذ رغم الانتقاد الذي وجهه هذا البيان إلى حزب الله وحلفائه واتهامه إياهم بعرقلة المحكمة الدولية ومؤتمر باريس ــ 3 فإنه رد على اتهامات جنبلاط للحزب بالتورط في الاغتيالات بتبرئة الحزب منها. أما المؤشر الثاني فهو «النصيحة من القلب إلى القلب» التي وجهها نائب الأمين العام لحزب الله الشيخ نعيم قاسم إلى تيار «المستقبل» ودعاه فيها إلى «المشاركة ولنعمل معاً لإنقاذ لبنان» وعدم الاستماع إلى «صناع الفتن» وجاءت هذه الدعوة بمثابة خطوة في اتجاه حوار بين الطرفين بعيداً عن تفسيرات البعض لها بأنها دعوة إلى «حلف سني ــ شيعي».
أما الأمر الثاني فهو سعي الرئيس الأميركي جورج بوش الدؤوب قبل أن يلقي خطابه عن «حال الاتحاد»، إلى التوتير في كل مكان في المنطقة لإظهار تقرير لجنة بايكر ــ هاملتون الذي يوصيه باحتواء الأزمات في المنطقة عبر الحوار، بأنه سطحي وان المشاكل في المنطقة هي اعمق مما صورها وانها لا تزال تحتاج الى استمرار التدخل الاميركي المباشر، الامر الذي يسهل له تمرير قراراته لنشر مزيد من القوات الاميركية في العراق والحصول على التمويل اللازم لها. وهو في هذا المجال يريد ان يحرج الديموقراطيين الذين ألحقوا به شر هزيمة في الانتخابات الأخيرة. فالدستور الأميركي يمنحه صلاحية إرسال قوات جديدة الى العراق كذلك يمنح الكونغرس الذي يسيطر عليه الديموقراطيون صلاحية النظر في تمويل هذه القوات. لذا يريد بوش وضعهم أمام خيارين: إما الامتناع عن التمويل، وهذا يمكنه من اتهامهم أمام الرأي العام الاميركي بالتباخل على الجنود الاميركيين مما يعرضهم للخطر. وإما الموافقة على التمويل المطلوب فيصبحوا عندئذ شركاء معه في الورطة العراقية فيما هم يريدون الانسحاب من العراق.
ويمكن تلمس خطة بوش للوصول الى اهدافه هذه من خلال الوقائع الآتية:
أولاً: لجوء السلطة في لبنان الى التوتير عبر إقرارها ورقة الاصلاحات الى مؤتمر باريس ــ 3 غير آبهة برأي المعارضة فيها لأن بوش يريد بقاء التوتر بين الطرفين ليقول للديموقراطيين ان حلفاء اميركا في لبنان الذين يواجهون «المحور السوري الايراني المعادي للمصالح الاميركية»، لا ينبغي التخلي عنهم، بل يجب الاستمرار في دعم «الديموقراطية الفتية» التي اوصلتهم الى السلطة .
ثانياً: التقاتل المتجدد بين حركتي «فتح» و«حماس» حيث يريد بوش من خلاله أن يقول للديموقراطيين إن المشكلة الفلسطينية سببها التقاتل بين الفلسطينيين لا إسرائيل، فيما المطلوب أن يضغط عليها لإيجاد حل لهذه المشكلة الفلسطينية.
ثالثاً: إعدام الرئيس صدام حسين من حيث توقيته وتسريب «فيلم» عملية الإعدام الذي شكل مورداً لتأجيج الفتنة المذهبية بين العراقيين بما يزيد الأوضاع في بلاد الرافدين، وكل ذلك يريد بوش منه أن يمرر قراره بإرسال قوات جديدة الى هناك ويُغرق الديموقراطيين معهم في الوحل العراقي.