البقاع ــ عفيف دياب
فتح استرداد لبنان أخيراً قطعة أثرية مصدرها بلدة كامد اللوز في البقاع الغربي، تعود الى الألف الثالث قبل الميلاد (رقيم فخاري مسدس الأضلاع بطول 18 سنتم، تغطيها كتابة سومرية برموز مسمارية)، الباب واسعاً أمام آثار هذه البلاد التي هي حتى اليوم طي الإهمال والنسيان الرسميين. و«الرقيم» ليس سوى قطعة واحدة فقط من أصل آلاف القطع الأثرية النادرة التي فقدت في كامد اللوز أو «مدينة كوميدي» ولا أحد يعرف مصيرها. فالحرب الأهلية اللبنانية كانت فرصة للتنقيب والحفريات غير الرسمية والعبث بما تختزنه كامد اللوز من آثار وقطع تروي مسيرة هذه البلدة عبر التاريخ. وكالعادة، لم يكن للصوص أي معرفة بأهميتها التاريخية، فبحسب رئيس البلدية علي صفية «الرقيم الذي أعيد أخيراً الى لبنان كان قد بيع بخمسين دولاراً ولا أحد كان يعرف قيمته». والجدير بالذكر ان هذه القطعة كانت قد عرضت للبيع في مزاد علني في باريس ابتداء من 18000 يورو.
كامد اللوز الأثرية تشكل جزءاً لا يتجزأ من تاريخ البقاع، وقد تباينت الأبحاث حولها، فالبلدة غنية بالآثار التي تعود الى العصر البرونزي، وكانت مركزاً تجارياً مهماً وفق المدوّن في الكتب والأبحاث والدراسات والمكتشفات الأثرية التي أغنت المتحف الوطني بآلاف القطع بعضها نادر جداً. فالعاجيات، والفخاريات والقطع المنحوتة بالصخر تظهر غنى الشعوب التي كانت تعيش في هذا الموقع وحبها الفن الرفيع المستوى ومعرفتها به. فالعاجيات المكتشفة في كامد اللوز فريدة من نوعها في لبنان، وتظهر دقة النحت خبرة حرفيي كامد اللوز الذين عاشوا في الألف الثاني قبل الميلاد وصانعي هذه المنحوتات ومهارتهم.
ويعود تاريخ التنقيب والحفريات في كامد اللوز الى عام 1963. وقد بدأ التنقيب مع الخبير الألماني هافمان الذي أطلق حملة البحث بعدما تبيّنت أهمية موقع كامد اللوز الأثري إثر اكتشافه من جانب عالم الآثار الألماني البروفسور كوشكي عام 1954. استمرت الحفريات الأثرية في كامد اللوز حتى عام 1981، ثم توقفت بسبب الحرب الى ان استأنفت البحث والتنقيب بعثة ألمانية برئاسة مارليز هينز عام 1987 حتى عام 2002.
وصلت سرقة آثار كامد اللوز الى قمتها عام 1982 حيث عمد الاحتلال الاسرائيلي بعد اجتياحه لبنان الى تنظيم أكبر حملة تنقيب وبحث عن الآثار وسرقة آلاف القطع الأثرية التي تعتبر قيّمة وتروي تاريخ «كوميدي» ومعه تاريخ لبنان القديم.
ويقول متابعون في كامد اللوز إنه لا أحد يعرف بشكل دقيق ما سرقه الاحتلال الاسرائيلي من آثار كامد اللوز. ويوضح شهود عيان خلال فترة الاحتلال الاسرائيلي للبلدة ان قوات الاحتلال كانت تفرض طوقاً أمنياً حول المواقع الأثرية في البلدة وتمنع أياً كان من الاقتراب. ويوضحون ان الاحتلال كان ينقل في شاحنات عسكرية «قطعاً أثرية لم نعرف ماهيتها».
ويوضح صفية ان قوات الاحتلال الاسرائيلي نفذت عملية تدمير لجزء من موقع كامد اللوز، إذ كانت الجرافات تقوم برفع الآثار والمكتشفات بطريقة عبثية وفوضوية وبشكل مدمر لما تبقى. وأوضح ان هناك آلاف القطع الأثرية المفقودة في كامد اللوز و«المتحف الوطني في بيروت لا يضم إلا النذر اليسير من آثار هذه المدينة».
ويشير صفية الى انه خلال الحرب الأهلية عمد لصوص الآثار الى سرقة كميات كبيرة من القطع وبيعها في الأسواق العالمية. ولكن العالم لم يطّلع بعد على كل تاريخ كامد اللوز، فأعمال التنقيب (التي تقوم بها بعثة ألمانية) مستمرة خلال فترات الصيف ولو أنها تأخرت هذه السنة عن موعدها بسبب الحرب الاسرائيلية على لبنان.