طرابلس ــ عبد الكافي الصمدالبقاع ــ نيبال الحايك

تحوّل الاستقبال المنتظر للحجاج العائدين من الديار المقدسة إلى «حفلة» إزعاج واسعة للمواطنين، نغّصت على الكثير من الحجاج فرحة العودة، بعدما شهدت بعض أحياء مدينة طرابلس، وعدد من بلدات وقرى قضاء الضنّية والمنية في الليلتين الماضيتين، إطلاق عيارات نارية، فضلاً عن المفرقعات، وخصوصاً في ساعات ما بعد منتصف الليل، التي شهدت عودة الحجاج بعد تأديتهم مناسكهم.
وكان عدد قليل من الحجاج قد بدأ بالوصول ابتداء من يوم الجمعة الماضي، من غير أن يُحدث قدومهم ضجّة كبيرة، باستثناء إقامة بعضهم حلقات وجلسات «النوبة» التي تؤدّيها عادة فرق ومجموعات دينية متخصصة بهذا الجانب، حيث تتلى فيها الآيات القرآنية والأحاديث النبوية، فضلاً عن الأناشيد الدينية، في حضور عدد من الأهل والأقارب والأصدقاء الذين يأتون عادة لتقديم التهنئة بسلامة العودة، إلى جانب حصولهم على بعض الهدايا التي يجلبها الحجاج معهم لمهنئيهم، كالمصاحف والمسابح وسجادات الصلاة والقبعات البيضاء وغيرها، فضلاً عن تناول التمور وشرب مياه زمزم، من غير أن ينسى الحاج سرده لزواره ما شاهده ولاقاه خلال سفره، إن كان في الحرم المكي أو المسجد النبوي أو غيرهما.
غير أن كل هذه الأمور انقلبت رأساً على عقب في الليلتين الأخيرتين، إذ بمجرد أن وصلت دفعات متتالية وعديدة من الحجاج، قُدّرت بالعشرات، حتى بدأ البعض بإطلاق عيارات نارية من بنادق حربية، إلى جانب إطلاق مفرقعات نارية على نحو كثيف، وتحديداً ما بين الساعتين الثانية والثالثة بعد منتصف الليل، ما حوّل هدوء الليل وسكونه إلى حالة رعب وقلق عند كثير من المواطنين، الذين لم يتبينوا حقيقة الأمر إلا لاحقاً.
إلى جانب ذلك، فإن منازل الحجاج وبيوتهم، على وجه العموم، زُيِّنت بالأشرطة الملونة واللافتات والرسوم وأسلاك الإنارة التي وُضعت عند المداخل أو على الأسطح، غير أن المفارقة كانت في ما قام به بعض الحجاج الجدد، الذين طلبوا إزالة أسلاك الإنارة، بعدما علموا أن أقارب لهم قد علقوها على أعمدة الإنارة العامة، «لأنني لا أريد أن أنزع حجّتي منذ بدايتها»، على حدّ قول أحدهم.
فضلاً عن كل هذا، فإن مداخل بيوت الحجاج، في أغلبها، زُيّنت بأقواس نصر صُنعت من أغصان أشجار الدلف والشربين وسعف النخيل تم قطعها حديثاً، في عادة لا يزال كثير من أهالي هذه المناطق يمارسونها في مثل مناسبات كهذه، على الرغم من الأضرار البيئية الواسعة التي تصيب مساحات واسعة من الأشجار الحرجية، والتعديات التي تشهدها، مع أن عدداً كبيراً من خطباء المساجد ركزوا في خطبهم الأخيرة، على ضرورة تجنب هذا الأمر وغيره من الممارسات، التي لا تعكس القيم والمثل الحقيقية لمعاني فريضة الحج.
وفي البقاع، تحولت القرى والبلدات إلى أمكنة مميزة في موسم «البرد» القارس لاستقبال «حجاج بيت الله الحرام» الذين عادوا وأجواء الانقسام السياسي في لبنان مسيطرة عليهم، ولا سيما أنهم حملوا معهم الانقسام من لبنان إلى الديار المقدسة.
وقد روى أكثر من «حاج» انقسام الحجاج اللبنانيين خلال تأديتهم فريضتهم الدينية. ويقول الحاج أحمد أبو حسين إن الأوضاع السياسية المتأزمة في لبنان، أصابتهم «بفيروسها» هناك، حيث رفض «السني» الإقامة تحت سقف واحد مع «الشيعي». ويضيف أن السلطات السعودية خصصت للحجاج اللبنانيين خيم إقامة حسب الهوية المذهبية.
احتفالات استقبال الحجاج في القرى البقاعية بالأناشيد الدينية وأقواس الزينة ونثر الورود والأرز ونحر الخراف والمفرقعات، لم تحجب أجواء الانقسامات «داخل القرى المشتركة طائفياً»، حيث جرت منافسات في أشكال وضع الزينة. ففي بلدة قب الياس اشتعلت السماء بالمفرقعات وزينت ساحات البلدة بأقواس الشربين والسرو والشعارات الدينية. وفي بلدة الفاعور نزل الأهالي إلى الطريق العامة لاستقبال الحجاج، وأضيئت سماء البلدة أيضاً بالمفرقعات النارية احتفالاً بعودتهم. وفي بلدة سعدنايل لم يختلف المشهد كثيراً عن قب الياس والفاعور، واكتظت الساحة بأهالي الحجاج لاستقبالهم بالورود والعطر والأهازيج.