فداء عيتاني
عندما تسأل أحد كبار علماء الدين بعد لقاءاته مع رئيس كتلة المستقبل النيابية سعد الحريري، هل اقتنع بما سمع؟ لا يتردد الرجل المحنك الذي أمضى ربع قرن في العمل السياسي والعلمائي بالقول: لا. إلا أن هذه اللا مشفوعة بجملة معطيات تبرر للرجل موقفه على حد الوسط الذي يمكن ان يحسب بسهولة ضمن تيار المستقبل والموقف الرسمي السني.
لقاءات الشيخ نفسه بسعد الحريري تتخللها شكاوى ومظالم ومطالب بإصلاح عاجل، على الاقل هذا ما يؤكده عالم الدين الذي يعمل ضمن طقم صغير من العلماء على محاولة الإصلاح، ويتراجعون عن الدعوة الإصلاحية داخل البيت السني حتى لا يصطدموا بجمهور لم يعد يميز بين الدين والفتنة، لكن الإصلاح يبقى ضرورة.
وفي موازاة الإصلاحيين المعمّمين يتحدث رجال السياسة من أطراف المعارضة عن ضرورة إعادة الهيبة الى الموقع السني الرسمي الأول، وإصلاح مؤسسات دار الفتوى، التي يأكلها سوء الادارة والتسيب، «والمال السائب يعلم الناس الحرام» على ما يتحدث بحذر أحد قادة المعارضة من أهل السنة، وهو يضيف إن «إصلاح دار الفتوى وحيادها موضوع مطروح طوال الوقت، وهو للتفكير والبحث والعمل»، موافقاً، لا بل داعياً الى تجنيب هذا الملف الاصلاحي التجاذب السياسي الحاصل في البلاد الذي يقسمها طولاً وعرضاً، ويشير الى موافقته على الدخول في تحالف او لجنة او أي هيئة مناطقية لبحث إصلاحات جدية في موقع السنة ودورهم، من رواتب الشيوخ والمكلفين بتدريس علوم الدين الى إصلاح المؤسسات من جمعيات وتوحيد جهودها، الى تنظيم عمل الأوقاف الى الإعلام السني، كل ذلك دون أي شروط او فلاتر سياسية. ما يطرحه القيادي المعارض حققته حركة اعتراض جزئية على ملف مقبرة السنطية، حيث فرضت إعادة المقبرة الى بلدية بيروت التي ما لبثت ان وضعت لافتة على مدخل المقبرة معترفة بها كمدافن، الا أن التحرك اليوم يتجه نحو تحويل هذه المقبرة الى دائرة الأوقاف واستعادة عامل الاستثمار عن كامل أراضي المقبرة.
«تقرير تيم وحده يكفي للبدء بإصلاح الأوقاف»، يقول أحد رجال الدين المتخصصين في مجال الأوقاف والإصلاح في دار الفتوى. وهو يعني التقرير الوحيد الذي أعدته هيئة مالية إسلامية استشارية بتكليف من دار الفتوى، علماً بأن التقرير لم يتم التداول به أو إعلان خلاصته.
وثمة جانب آخر لا بد من النطق به لمن يجرؤ على الكلام: ما مصير السنة إذا استمرت حالة الإفقار والجهل والتعبئة الطائفية والمذهبية؟ إلى أي حال ستصل أرياف السنة ومفترقات الطرق الزواريب والأزقة إذا بقي الفقر واستشرى التسرب المدرسي وبقي بعض علماء الدين يخرجون على الناس بخطب لا يعرف أولها من آخرها، وجل ما يخشونه هو انقطاع راتب الـ38 الف ليرة لبنانية (الراتب الشهري الرسمي؟ واي حال ستصير إليها الأمور اذا عجز هؤلاء الشيوخ المكلفون بالحديث السياسي الاسبوعي عن متابعة انباء الأمة وأحوالها.
«القاعدة ليست للمزاح»، يقول مختص بأحوال أهل السنة، «القاعدة لن توفر أحداً» ولا يكفي السخرية من «القاعدة» وتهديداتها للقول بأن لا «قاعدة» في لبنان، والكل يعلم بأن لها في لبنان قواعد، وان من يدعم قوى سنية متطرفة يتناسى أنه يدعم كودرة مقاتلين يائسين سيلتحقون بصفوف «القاعدة» عندما تطل برأسها.
الحديث عن «القاعدة» يمثّل مزحة بالنسبة إلى مراجع أمنية تسخر من «القاعدة المزورة» في لبنان، وربما كانت على حق لو عنت القاعدة التي زورتها هي نفسها، إلا أن القاعدة الفعلية في البلاد تتحرك بحرب الكترونية يومية بين المراهقين وتعمل على بث دعايتها من لبنان كما من العديد من الدول العربية، ويكفي النظر الى المواقع على شبكة الانترنت التي يجري عليها تحميل افلام دعائية من العراق والشيشان وأفغانستان والقيام بحل «الدي ان اس» الذي تم التحميل منه، «القاعدة» تعمل من لبنان، وهي ليست مشروطة بدعم سوري او ايراني او أفغاني، إنها قائمة بانتظار الخضات المحلية والدولية، بانتظار البند السابع من مجلس الامن او بانتظار فتنة داخلية يمكن معها استحضار مؤلفات ابن تيمية.
«الإصلاح من داخل الدار»، هو الشعار الأقرب الى قلب العديد من أطراف المعارضة كما من الأطراف التي تعتبر نفسها من سنة الحياد، الا أن هذا الإصلاح يتم احتسابه على لائحة الأسعار التي في النهاية تخدم الاكثرية او المعارضة، فيما «القاعدة» وخلاياها النائمة تختمر بهدوء داخل دار الفتوى وخارجها، وفي كل الأحياء الفقيرة التي ستشعر بظلم إضافي في ورقة الإصلاح حين وضعها موضع التنفيذ.