إبراهيم الأمين
لم يصدق أحد أن بمقدور المعارضة حشد مئات الآلاف في أي تظاهرة مقررة في شأن التحرك ضد حكومة الرئيس فؤاد السنيورة. وثمة تباين في النظرة الى التحركين الأخيرين أمام مبنى الضريبة على القيمة المضافة وأمام وزارة الطاقة، بين من رأى فيه عجزاً سياسياً وشعبياً، وبين من ذهب ليقرأ فيه رغبة في منع التصعيد من قبل المعارضة. لكن الأهم من كل هذه التقديرات هو الكلام القائم بين قوى المعارضة نفسها، وخصوصاً أن فريق السلطة لم يعد لديه ما يفيده في معركته سوى الدعم الدولي، وسوى ترقب المرحلة الجديدة من الجنون الاميركي في العراق، وانعكاس ذلك على سوريا.
وحسب المتابعين فإن الامور تنطلق اولاً من متابعة ما يجري بين الولايات المتحدة وسوريا في ما خص العراق. وهناك تقارير كثيرة تشير الى أن الحوار بين الجانبين حول ملف العراق يقترب من التوصل الى خلاصة، وثمة حديث عن أسبوع او اكثر، وأنه لا أحد يقدر على البت من الآن سلباً أو ايجاباً بنتيجة هذا الحوار علماً بأن الهدف المركزي للأميركيين هو تلقي مساعدة سورية مباشرة في صنع الاستقرار في العراق. وان سوريا تريد في المقابل مساعدة اميركية مباشرة في حفظ الاستقرار في سوريا، مع ما يقتضي ذلك من تعاون في الملفات المجاورة والمتصلة حكماً باستقرار كل من سوريا والعراق. ويؤكد المعنيون أنه ليس هناك خط أحمر، وليس صحيحاً ان الطرفين لا يتناقشان في ملفي لبنان وفلسطين. والكل يعلم ان هناك بحثاً من طبيعة سلبية أي إن كلاً من الطرفين يعمل على الامساك بكل ما يقدر من اوراق في اطار هذا الحوار. وبالتالي فإن الانعكاسات الكبيرة على لبنان واضحة سواء في سلوك فريق السلطة او في سلوك قسم لا بأس به من فريق المعارضة.
أما الجانب الآخر فيتعلق بالنقاش بين قوى المعارضة حول سبل التصرف في المرحلة المقبلة. ولم يعد خافياً ان هناك من يريد ان ينتقل سريعاً نحو الصدام الذي ينهي الأمر في أسرع وقت ممكن، في مقابل من يعتقد ان باب المساعي السياسية لم يقفل بعد، وان هناك مجالاً جدياً للتوصل الى اتفاق سياسي ينهي الازمة ويفتح البلاد امام موجة جديدة من الاستقرار. ومع ان الفروق ليست قليلة بين الطرفين، الا ان الاهم هو ان رئيس المجلس النيابي نبيه بري الذي لطالما كان اقرب الى التسويات، بات الآن في موقع المتوتر إزاء ما تقوم به السلطة، وهو لم يعد يفهم الى اين يريد ان يذهب فريق الاكثرية ومعه الدول الداعمة من كل الجهات عربياً ودولياً. وبري يتلقى كما غيره من المراجع ويومياً كمية كبيرة من المعلومات عن عمليات تسليح جارية في اكثر من مكان ولا سيما في العاصمة، وأن هناك عمليات نقل لمئات من الشبان من مناطق بعيدة الى بيروت حيث يوضعون في اماكن خاصة ويدربون بصورة مريبة. كما ان بري ابلغ السفيرين السعودي والمصري عبد العزيز خوجة وحسين ضرار ان فريق الاكثرية لا يتوقف عن التحريض المباشر وانه يستخدم كل شيء، بما في ذلك وسائل الاعلام والمنابر السياسية والمنابر الدينية، وان هناك عملية تعبئة كبيرة تقوم بوساطة رجال الدين المحسوبين على فريق السلطة. كما ان اقطاباً من هذا الفريق يعطلون كل اشكال الحوار، وان النائب وليد جنبلاط الذي لطالما ميّزه الرئيس بري عن غيره بات هو من يقوم بهذه المهمة، ليصل بري الى خلاصة خطيرة مفادها أن هناك من يريد اخذ البلاد نحو مواجهة غير محسوبة قد تقود الى ما هو غير وارد في اذهان من يخطط الآن لا في لبنان ولا في خارجه. وبري يرى الامور آخذة اكثر نحو التعقيد وخصوصاً ان فريق الاكثرية يريد ان يذهب نحو فتح دورة استثنائية والى عقد المجلس النيابي ولو برئاسة نائب الرئيس فريد مكاري.
في جانب حزب الله تبدو الصورة ازاء الرئيس بري اكثر وضوحاً من بقية القوى، ويرى الحزب ان مستوى التنسيق بين الحزب وبري رفيع جداً وهناك توافق كامل على المسائل الجوهرية وان ما هو ملاحظ من سلوك رئيس المجلس سيمثل بالضبط موقعه كمدير الحوار مع الآخرين ومع الجهات صاحبة المبادرات العربية. وبالتالي ليس هناك مشكلة او تباين، حتى ولو ابرز هذا التباين أقطاب من قوى المعارضة وهو ما ظهر جلياً في الاجتماع الاخير الذي عقد في منزل العماد ميشال عون، حيث ظهر أن هناك من يعتقد بأن ادارة الرئيس بري للملف تؤدي الى إضاعة الوقت والى منح فريق السلطة المزيد من هوامش المناورة.
لكن الفريق الآخر في المعارضة ينظر الى الامور بطريقة مريبة لناحية أن هناك من يريد الذهاب نحو خطوات تصعيدية من النوع الذي يظهر المعارضة في موقع القوة لا العكس. ويبدو ان هذه القوى التي يقودها بشكل رئيس التيار الوطني الحر وتيار المردة وطلال ارسلان وعمر كرامي وأسامة سعد، ولا يقف حزب الله بعيداً عنها، سوف تحضر لتحرك يوم غد السبت تحت عنوان الحقيقة في جريمة اغتيال الوزير بيار الجميل وبقية الجرائم. وهو تحرك سوف يتبعه نمط آخر من البحث في الخطوات الواجب اتخاذها في المرحلة المقبلة، وخصوصاً في ما يخص ورقة باريس ــــــ3. وثمة بحث متقدم نحو رفع سقف المواجهة الى حدود الحسم لأن هناك قناعة كبيرة لدى هذا الفريق في المعارضة بأن في السلطة من لم يعد يريد أي تسوية ولا أي نوع من المشاركة، وهذا ما يكفي للقول إن عدة التحرك سوف تختلف عما سبق. وهو الـأمر الذي يبدو ان بري نفسه لم يعد في موقع بعيد عنه، ما يفتح الباب امام توقعات بأن تحرك المعارضة خلال الاسبوعين المقبلين سوف يأخذ شكلاً جديداً ولا سيما ان فريق السلطة يريد ان يتسلح بنتائج مسبقة لمؤتمر باريس ــــــ3 لخوض مواجهة من نوع أعنف مع خصومه، وهو الامر الذي يدفع البلاد نحو الوضع الاكثر خطورة: خطوة واحدة الى الامام ويصبح الجميع في الهاوية.