أنطوان سعد
أخذت ورقة الثوابت المارونية أمس طريقها إلى التطبيق بالجولة التي بدأها المطارنة سمير مظلوم، ويوسف بشارة، وبولس مطر، على القادة المسيحيين بدءاً برئيس التيار الوطني الحر العماد ميشال عون فالوزير السابق سليمان فرنجية ثم رئيس الهيئة التنفيذية سمير جعجع. وتأتي الخطوة في فترة بلغ فيها التأزم درجته القصوى مع تعثر كل المبادرات المحلية والإقليمية وإحجام الأمين العام لجامعة الدول العربية عمرو موسى عن استئناف مساعيه لرأب الصدع في لبنان. كما تتزامن المبادرة البطريركية مع استكمال الاستعدادات لعقد مؤتمر باريس ـــ 3 الذي تواجهه المعارضة بالتعاون مع الاتحاد العمالي العام الذي انسحبت منه الاتحادات الموالية للأطراف الحزبية المشاركة في قوى الأكثرية.
وعلى رغم أن الخطوة البطريركية قد جرى الكشف عنها منذ مدة، فإنها ترتدي أهمية بالغة كونها تأتي في مرحلة من المواجهة بين السلطة والمعارضة لم يعد فيها الطرفان قادرين على التراجع ولا المضي قدماً في سياسة التحدي المتبادل واستعمال الضربات تحت الحزام من مثل إقفال المطار والمرفأ من جانب المعارضة ومثل الاقتصاص من كبار موظفي الإدارة الموالين للمعارضة من جانب السلطة. وقد يكون إحراج المعارضة بات أكبر من إحراج السلطة بعد قرار الأخيرة عدم التراجع وعدم الاستقالة حتى لو نفذت المعارضة كل ما توعدت به. لذلك تتوقع الأوساط المتابعة للمبادرة أن يتلقفها الطرفان ويبحثان فيها بجدية وخاصة المعارضة التي سبق أن أعلنت موافقتها عليها بالكامل وبالترتيب الذي أتت بنودها فيه.
في الوقائع، قام وفد الأساقفة الموارنة أمس بجولة أولى شملت القادة المسيحيين الثلاثة على أن يزور الرئيس الأعلى لحزب الكتائب الرئيس أمين الجميل فور عودته من الخارج. وقد عرض الوفد على عون وفرنجية وجعجع في شكل عام ورقة الثوابت المارونية الصادرة عن مجلس الأساقفة الموارنة مطلع كانون الأول الماضي من دون الغوص في التفاصيل. وتم، في اللقاءات الثلاثة، التركيز فقط على ميثاق الشرف الذي دعت إليه الوثيقة بهدف وضع قواعد للتعامل بين التيارات والأحزاب المسيحية ودعوتها إلى الحوار وتحاشي اللجوء إلى العنف. وسمع الأساقفة الثلاثة من مضيفيهم الثلاثة ردوداً إيجابية من حيث المبدأ وتركوا لهم الوقت اللازم لإجراء مشاورات مع من يريدون من حلفائهم ومن شاؤوا من القادة السياسيين الوطنيين لإعطاء جواب على الوثيقة البطريركية التي تجسدت البارحة في مبادرة عملية ملموسة، على أن يحدد المطارنة الموارنة ماهية الخطوة الثانية بعد أن تردهم ردود المسؤولين الثلاثة على المبادرة البطريركية.
وإذا أتت الردود إيجابية فيمكن توقع أن يأخذ المطارنة الموارنة الثلاثة مبادرة الاتصال بقادة سياسيين غير مسيحيين وتحويل الوثيقة البطريركية إلى مبادرة شاملة رامية إلى إيجاد مخرج للمأزق التي تمر به البلاد. ورداً على سؤال عن استعداد المطارنة للقيام بهذا الدور، يجيب مصدر في الوفد: «لِمَ لا، إذا كانت هذه المبادرة تساعد على حلحلة العقد فنحن في الخدمة. مبادرتنا ترمي إلى إعادة طرح الحوار كوسيلة لحل الإشكالات بعيداً عن الانفعالات والتشنج الذي قد تكون عواقبه وخيمة على الجميع. لا حلول معلبة لدينا وإنما دعوة الجميع إلى التفاهم في ما بينهم وإيجاد الحل الذي يحقق الخير العام للبنانيين».
وتطرق الحديث في اللقاءات الثلاثة إلى الوضع العام وضرورة أن يكون المسيحيون في الطرفين المتنازعين عامل تهدئة ووئام وتنفيس للاحتقان الذي سيؤدي في حال انفجاره إلى خسارة الجميع ولن يكون أحد بمنأى عنه. وأبدى الأساقفة ارتياحهم إلى تراجع حدة الخلاف بين مناصري الأحزاب المسيحية وخصوصاً بعد قرار عون وجعجع عدم تعليق صورهما في الساحات والأمكنة العامة وإعطاء تعليمات حازمة بضرورة عدم الانجرار إلى التصعيد أياً تكن الاعتبارات.
وتوقفت الأوساط المراقبة في شكل خاص عند الاجتماع الذي ضم الأساقفة الموارنة مع الوزير فرنجية بعدما كان هذا الأخير قد تعرض بقسوة للمطران يوسف بشارة مطلع الصيف الماضي. وعلمت «الأخبار» أن اللقاء كان ودياً بعدما تبددت الغيوم من سقف العلاقة بينهما إثر اجتماع ضمهما قبل يومين بمسعى من النائب البطريركي العام على منطقة زغرتا المطران سمير مظلوم، وتوضح المصادر المطلعة أن الصفحة طويت نهائياً وعادت العلاقة بينهما إلى طبيعتها.