غسان سعّود
«زي ما هيّي الورقة الإصلاحية»، «تكون الـ TVA 40% بدل 17%»، «الشعب شبعان وكلّو تمام»، هكذا يرد بعض أهل الشمال الفقراء المؤيدين لتيار المستقبل على المشكّكين في الورقة الاصلاحية. ويؤكد هؤلاء رغبتهم الكبيرة في التحرك دعماً للورقة وللرئيس السنيورة ووزيريه «سامي أزعور» و«جهاد حداد». ويستغربون كيف يمكن البعض أن يرفض الخصخصة، وهي تعني «استخدام الحاسوب في إدارات الدولة»


يُسأل عزام الحايك، بائع الخضر العشريني، عن رأيه بالرئيس فؤاد السنيورة فيقول إنه يُحب والده الرئيس الشهيد رفيق الحريري. ويوضح أنه ليس مع الذين يتحكّمون اليوم في الأمور، مؤكداً أن الرئيس الحريري كان يرفض رفع الضرائب رغم إصرار الرئيس إميل لحود عليها. وهذا هو السبب الرئيسي الذي يجعله يضع صوراً كثيرة للرئيس الحريري في محله الواقع في قلب سوق الخضر في طرابلس. وبحسب عزام، «سيتمكن الرئيس السنيورة ووزير المالية» «دميان قطار» عبر باريس 3 من إصلاح الوضع الاقتصادي، وتوزيع القليل من المساعدات على المحتاجين، ودعم التعليم الرسمي، وشراء الفيول للكهرباء». ويكشف عزام أن معلوماته مبنيّة على ما يخبره مسؤول تيار المستقبل في سوق الخضر.
أما زميل عزام في متجر مجاور، فيقول إن الضريبة لن تُرفَع هذا العام، بل في الـ2008. وعندها «لكل حادث حديث». ويؤكد كرهه للضرائب، وخصوصاً إذا طاولت البنزين، مبدياً تفهمه لهذا الأمر، إلى حدٍّ ما، وخصوصاً أن الرئيس السنيورة مضطر لذلك بعد أن «نهب السوريون مال اللبنانيين وخيراتهم». وفي السياق نفسه، يعدّد رجل آخر أسباب الدين العام ويصل في نهاية حديثه إلى الجزم بأن النائب سعد الحريري، كما وعد الشماليين في الانتخابات الماضية، «لن يسمح بأن نجوع، وسيُعالج هذه المسائل بطريقته الخاصة».
وقرب المدخل الشمالي لساحة التل، جُهِّزت صورة عملاقة للنائب سعد الحريري، ليستفاد منها في الدعاية السياسية والحماية من الأمطار. فيجتمع تحتها عدد من سائقي الأجرة. وحين يُسألون عن الوضع الاقتصادي، يسارعون إلى التوجه للمعارضة بنصيحة البحث عن لعبة أخرى بعد أن «خربوا بيروت، وتوقف كل العمل بسببهم». وينتهي أحدهم بما يشبه الشعار: «لو اعتصم معهم كل الشعب اللبناني ومعه الشعبان السوري والإيراني، فالرئيس السنيورة باقٍ باقٍ باقٍ». وعن حال عملهم، يتنافسون في التأكيد أنّه ليس ثمة عمل، والتراجع مستمر. وهناك، بحسبهم، سببان للركود: الحرب الاسرائيلية التي دفعت مغامرات حزب الله باتجاهها، والخيم الموزعة في وسط بيروت.
ويشيد السائقون الأربعة بورقة السنيورة الإصلاحية ما دام «الرئيس السنيورة خليفة الرئيس الحريري يقف وراءها»، كما يقول أحدهم. ويجزم زميله أن هذه الورقة كانت آخر ما كتبه الرئيس الحريري، وهو أعطاها للرئيس السنيورة والزعيم وليد جنبلاط قبل أن يقول كلمته الشهيرة «إنني أستودع الله لبنان الحبيب». ويؤكد السائقون الحريريون أن الكلام عن رفع سعر صفيحة البنزين، وفقاً للورقة، هو محض افتراء وكذب من قادة المعارضة. ويستشهد أحد هؤلاء بأن «وزير البيئة نبيل فريج أكد على التلفزيون أن لا شيء سيتغير قبل العام 2008، والأموال التي ستقدمها الدول الغنيّة ستعوض علينا الضرائب التي ندفعها». وعلى مقربة منهم، يؤكد صاحب مقهى أن بعض زبائنه هدّده بالتوقف عن زيارته إذا غيّر عن قناة تلفزيون المستقبل، حتى ولو لمصلحة «تلفزيون حليف».
تتسع عاصمة لبنان الثانية لمزيد من الأحاديث. ففي إحدى زوايا منطقة الزاهرية، تُطل صورة لكاراج أشبه بالمزار، أو بمكتب لتيار المستقبل. إذ تتوزع صور الرئيس الشهيد رفيق الحريري في كل أنحائه. ويقول صاحبه جمال يوشع، إن ثقته بتيار المستقبل عمياء، ويوضح أن باريس 3 سيضخ أموالاً تحرك البلد وتنشط الحركة الاقتصادية فيه. ويقول بصراحة «لا نفهم كثيراً في هذه الأمور، لكن نحن مع السنيورة والورقة الاصلاحية، ونؤمن بقولهم إن ارتفاع الـ TVA إلى 20 أو 25 % سيحرك السوق ويزيد الأموال بين أيادينا». وعن رأيه بمطالب المعارضة، يقول إنه «ضد حزب الله الذي كسر لبنان، وضد الطائفة الشيعية التي تدّعي المعارضة، وهي مجموعة منافقين وكذابين يريدون مصلحتهم الخاصّة». ويكشف يوشع أن «فرنسا ستعطي السنيورة 5 مليار ليوزعها على اللبنانيين بعدل». ويستغرب الرجل الخمسيني الكلام عن رفع سعر تنكة البنزين إلى 30000 ليرة، مؤكداً رفضه لهذا الأمر «مين ما كان وراه». ويقول إن هذا «يدبحنا دبح». مستغرباً أن يكون «البنزين أغلى من الخبز». وينهي كلامه بالقول إن ارتفاع الأسعار وزيادة الضرائب هما نتيجة الحرب والخيم.
وبين طرابلس والمنية، تتوزع اللافتات في كل الاتجاهات، وأشهرها «يا سعد سلّحنا والباقي علينا». أما أبرزها فـ«يا نصر الله ويا لحود شيلوا دنابكم من بيروت»، «الحكومة باقية وحزب الأقلية سوف يزول»، «مجند حر خير من جنرال عميل»، «الإسلام نور لمن اهتدى... وسعد نار لمن اعتدى»، و«ماذا فعل الصفويّون؟». وهذه كلها تحمل توقيع «أبناء التبّانة»، المنطقة الأكثر فقراً في لبنان.
ومن التبّانة إلى البداوي، تغطي الأعلام اللبنانية شرفات المنازل، وتطل صور الرئيس رفيق الحريري وسعد والسنيورة من مختلف الاتجاهات. واللافت في البداوي ــ وادي النخلة أن أعمدة الكهرباء طليت بالأزرق، وكذلك مستوعبات النفايات، وجدران عدة منازل. ويوضح محمود العبد الله أحد وجهاء تيار المستقبل في البداوي، أن كلمة معارضة شبه محظورة في هذه المنطقة. والكل يدين بالولاء لتيار المستقبل الذي «علّم وعمّر وكبّر».
ووسط جمع يقارب عشرين شخصاً، يؤكد العبد الله بطريقة خطابية استحالة الإصلاح بدون جلب الأموال، ويسأل كيف يعمر المنزل إذا لم يدّخر أهله الكثير من الأموال. ويوضح أنه خلال الخمس عشرة سنة الماضية، لم يكن السنيورة هو نفسه السنيورة اليوم. كان أشبه بموظف عند السوريين يقال له وقِّع فيوقّع. وعن الـ TVA يطلب أن ترتفع أكثر وتصبح 40%. خصوصاً أن الذي يدخن مارلبورو، مثلاً، سيدفع بدل الـ2000، 2250 ليرة، ولن يواجه أية مشكلة. ويتابع «أنا أفقر واحد في وادي النخلة، ولديّ 4 سيارات»، مؤكداً أن الكلام عن فقر الناس غير صحيح، والناس مرتاحة، والذين يشتكون هم جماعة المعارضة. ثمّ يعود إلى المارلبورو ليكشف أن سعر العلبة في كل دول العالم يتخطى أربعة عشر دولاراً إلا في لبنان. وينهي كلامه بالإشارة إلى صعوبة حصول الدولة على عائدات، قائلاً: «الدولة ما عندها مطبعة».


«شو يعني خصخصة؟»
لا يكتمل المشهد، من دون رأي جمهور تيار المستقبل العكاري. هنا حبّ الحريري يبدو أكثر عفوية، ويلامس حد العشق. يقول أحد الرجال من عائلة مزقزق في بلدة ببنين، إحدى أكثر بلدات عكار ازدحاماً بمؤيدي تيار المستقبل، إن القصد من الخصخصة هو استعمال «الكومبيوتر» في إدارات الدولة. ويستغرب الحملة ضد الخصخصة، مؤكداً أن هذا الأمر أدى إلى نتائج إيجابية في وزارة الصحة مثلاً. ويؤكد استعداده للنزول إلى الشارع للتظاهر دعماً للخصخصة. فيما يجد زميله أن القصد بالإصلاح الإداري، طرد الموظفين الأمّيين، وتنظيم العمل بحيث لا يقتضي توقيع ورقة إدارية التنقّل بين عشرين موظفاً. ويشير إلى توقه لتحديد تيار المستقبل موعداً للتظاهر دعماً لورقة السنيورة الإصلاحية.
وفي برقايل، يقول أحد وجهاء تيار المستقبل، المستثمر لمحطة وقود، رداً على سؤال عن معرفته بوزيري المال والاقتصاد، أن هذا الأمر غير مهم. والمطلوب هو الالتفاف حول الورقة الإصلاحية والدفاع عنها، بغضّ النظر عمّا فيها، لأنّ «أي انتقاد للورقة سيؤدي إلى تراجع الفريق السياسي الذي يمثلنا». ويجمع عدد من الأشخاص المتواجدين في ساحة البلدة على القول، رداً على سؤال، إن مطالبة السنيورة برفع الحد الأدنى للأجور، وإقرار ضمان الشيخوخة، وإدخال جميع العمال إلى الضمان الاجتماعي بمن فيهم المزارعون، هي محض تعجيزية وتهدف إلى خدمة المحور السوري ــ الإيراني، علماً بأن هذه المطالب رفعها الى السنيورة رئيس اتحاد عمال جبل لبنان الشمالي بطرس إفرام، على رأس وفد من الهيئات النقابية. وطلب، على أثرها، من السنيورة إعطاء رخصة إنشاء اتحاد عمالي يمثل جميع العمال.


العلاقات اللبنانية السورية
تهدف المعارضة، بحسب آراء شعبية طرابلسية، إلى تدمير كلّ منجزات الرئيس الشهيد رفيق الحريري، وتقويض طموح السنيورة بتأمين الرفاهية لكل أبناء الشعب اللبناني بعد الخروج السوري من لبنان. وسرعان ما ترفع مسألة العلاقات اللبنانية ــــــ السورية من حدّة المتحاورين. فيبادر أحد السائقين إلى توجيه شتائم كثيرة بأكثر من اتجاه. لكن صديقه يتدخل طالباً منه التمييز بين الشعب السوري وقيادته، مردداً، دون أن يدري ربما، عبارة الرئيس السوري الراحل حافظ الأسد: «شعب واحد في دولتين». ويقول سائق آخر إن «الأستاذ عبد الحليم خدّام سيمسك قريباً بزمام الحكم، ويصلح الأوضاع بين لبنان وسوريا». عبارة تدفع سائقاً ثالثاً يضع أكثر من ثلاث صور للرئيس الشهيد رفيق الحريري على سيارته إلى التعبير عن تمنيه حصول هذا الأمر بسرعة لأن عودة الزحمة إلى خط طرابلس ــــــ العبدة ــــــ حمص ستنشط الحركة الاقتصاديّة قليلاً. ويتابع مستغرباً استمرار التراجع الاقتصادي، وخصوصاً في الشمال، حتى بعد الخروج السوري من لبنان. ويقول إن الشماليين يدفعون ثمناً اقتصادياً باهظاً نتيجة التردي في العلاقات اللبنانية ــــــ السوريّة.


«نكاية بالشيعة»
قبالة ساحة التل في طرابلس، رصيف لا إسم له، يزدحم بالمحال التجاريّة، والباعة والبسطات. وبين الناس والواجهات الزجاجيّة لمحال بيع الأجهزة الخلوية والملابس و«الكبة الشمالية»، تُطل وجوه السياسيين. واللافت أن أهل الرصيف يحافظون على قدسية الثالوث. فقبل عامين، كان يضم الرئيس الراحل حافظ الأسد وولديه بشّار وباسل. ثم استبدل بثالوث آخر ضم الرئيس الشهيد رفيق الحريري وابنه سعد والرئيس فؤاد السنيورة. أما اليوم، فالمساحة أفرغت لـ«صور القائد المجاهد صدّام حسين»، والرئيس الليبي معمّر القذافي، وطبعاً الرئيس فؤاد السنيورة.
وعن مغزى الثلاثي الجديد، يقول أحد التجار: «لو كنتَ سنّياً لما سألت هكذا سؤال». ويتدخل زميل له قائلاً بعفوية «على كل سنّي في لبنان أن يرفع صورة القائد معمّر القذافي، نكاية بالشيعة». وهذا، بحسبه، ليس تطرفاً طائفياً، هذا أقل ما يمكن فعله. ويتابع: «لماذا هم يرفعون صور قاتلي زعيم طائفتنا الرئيس رفيق الحريري، ولا نرفع نحن صور قاتلي زعمائهم؟». وتزدهر في الأسواق الشعبية والمقاهي الطرابلسية روايات عن تفاصيل إعدام الرئيس العراقي السابق. والبعض يقول إن «المالكي، الشيعي، طلب تنفيذ الإعدام من دون الرجوع إلى السلطات الأميركية». فيما يجد رجل آخر أن «المشكلة الرئيسية هي في الحقد الشيعي، وثقافة القتل الحلال». ونسمع أيضاً في أحد المقاهي، تأكيداً أن «زعيم جيش المهدي مقتدى الصدر، التوأم السياسي للسيّد حسن نصر الله هو من أعدم صدّام. وقام بعد ذلك بذبحه، وتشويه جثته، والعبث بدمائه».