جوزف سماحة
يسبّب جورج بوش ذلك النوع من الإزعاج الذي تسبّبه الأسطوانة المشروخة. مع فارق أنه إزعاج يصل حدّ التعذيب نتيجة القدرة الفائقة على حشد الأكاذيب، وتكرارها، وطرق الرؤوس بها، واللامبالاة بانقلاب الأوضاع، والثمن الإنساني والمادي الهائل مقابل الإصرار على نهج يلحق الأذى بالملايين ويبقى القائم به مصرّاً عليه.
قيل انتظروا خطاباً يعلن استراتيجية جديدة في العراق والمنطقة. انتظرناه. فعوقبنا على هذه الفعلة بنص يشكل، بحق، امتحاناً للأعصاب. الكلمة التي ألقيت فجر أمس لملمة لكلمات ألقيت سابقاً وهي تعلن شيئاً واحداً: ليس بوش ماضياً في حربه التدميرية فقط، بل إنه يعتزم تعميقها و... توسيعها. يستعيد، لمصلحته، شعاراً إسرائيلياً معروفاً مفاده أن ما لم يحلّ بالقوّة يحلّ بالمزيد منها. لنحاول قراءة الخطاب:
يقول: إن القوات الأميركية منخرطة في معركة ستحدّد وجهة الحرب الكونية على الإرهاب ومستقبل الأمن الوطني الأميركي.
يقصد: إن هذا التعريف للقتال يعني أنه مستمر. والقصد منه تبرير الحرب بمعطيات هي بدل من ضائع وإثارة المخاوف عند الأميركيين وغيرهم لجعلهم يتناسون أن العراق لم يكن يشكل خطراً داهماً عليهم، وأن مهاجمته كانت اختيارية، وأن الإرهاب حلّ في أرضه لاحقاً.
يقول: إن الاستراتيجية الجديدة ستساعد في كسب الحرب.
يقصد: إن الانتصار ما زال هدفاً ممكناً بما يوجب إسقاط أي دعوة إلى التسوية. لقد سبق لبوش أن أعلن أن «المهمة انتهت». وعاد فنشر «استراتيجية الانتصار». وها هو يعاود الكرّة معتبراً أن إضفاء صفة «الجديدة» على الاستراتيجية كافٍ للحصول على نتائج لم يكن ممكناً الحصول عليها سابقاً.
يقول: لقد راهنّا على الانتخابات وتدريب القوات العراقية ولكن...
يقصد: إننا، أي الإدارة، لا نفهم شيئاً في الواقع العراقي المعقّد حيث كانت الانتخابات كما تدريب القوات جزءاً من بناء الانقسام العراقي وتسليحه.
يقول: كانت حصيلة 2006 سلبية وخاصةً بعد تفجير المزارين ونشوء حلقة مفرغة من العنف الطائفي.
يقصد: إن الوضع كان أفضل قبل ذلك، ثم حصل ما حصل فجأة! وبما أن التفجير حصل قبل أقل من سنة وسبّب مواجهات أودت بحياة عشرات الآلاف فقد انتظرنا هذه المدة كلها حتى نتحرك.
يقول: الوضع الحالي غير مقبول وأنا المسؤول، ولا بد من تغيير.
يقصد: أريد تزوير الرغبة التي عبّر عنها الشعب الأميركي في الانتخابات النصفية. فهو لم يقترع من أجل الانسحاب بل من أجل «التغيير» في الخطة. وبما أني متجاوب مع توق أنسبه إلى هذا الشعب فإني، وإن كنت مسؤولاً، لا تجدر محاسبتي.
يقول: أجرينا مشاورات واستفدنا من تقرير بيكر ــــــ هاملتون وتأكد لنا أن لا حل سحرياً، غير أن الفشل كارثة على الولايات المتحدة. ويختم بعد تعداد نتائج الفشل أن النجاح واجب.
يقصد: لقد تظاهرنا بالاستماع إلى آراء مخالفة. إلا أن النتيجة التي وصلنا إليها تقول إن الفشل الحالي الذي يستخدم ضدنا هو أفضل حجّة لدينا. لذا، نحن مستمرون لأننا فشلنا. إن التعثّر هو ذريعة تبرّر المزيد من الشيء نفسه.
يقول: إن الأمن، في بغداد خاصة، له الأولوية لأن العنف المذهبي متمحور فيها. وثمة وعود من الحكومة العراقية بالمساعدة.
يقصد: جوهر الحل في العراق عسكري وليس سياسياً. والدور الأميركي الجديد سيكون على صلة بالعنف المذهبي (لا يسمّيه «حرباً أهلية») حيث سنقف مرّة مع هذا المعسكر ومرّة مع المعسكر المقابل. أما إذا لم يحالفنا النجاح فيجب توجيه اللوم إلى العراقيين الذين لم يساعدوا كفاية.
يقول: ارتكبنا خطأين: عدم وجود قوات كافية ووجود قيود على عمل القوات.
يقصد: فتّشوا عن المسؤول. لقد كنت أردّد أني سأطيع القادة الميدانيين ما داموا متفقين معي، فلما اختلفوا عزلتهم.
يقول: الخطة الجديدة زيادة عدد القوات الأميركية حوالى 21500 جندي وتأمين بغداد والأنبار بمساعدة العراقيين.
يقصد: يجب تركيز الاهتمام على هذه الزيادة ونسيان أن في العراق 132 ألف جندي. ويحسن، في هذه المناسبة، نسيان الذين عوقبوا لأنهم طالبوا بزيادة عدد القوات.
يقول: في السابق كنا نطهّر وننسحب ولكن الآن سنغيّر التكتيك وندخل المناطق كلها، وقد أعطانا المالكي ضوءاً أخضر.
يقصد: هذه المرّة سأكذب على الأميركيين والعالم بصفاقة. فالشعار المرفوع في استراتيجية النصر السابقة كان «حرّر. سيطر. عمّر». ولم نمارسه. يبدو أن المالكي، أو من سبقه، لم يكن مهتدياً إلى زر اللون الأخضر.
يقول: لقد أوضحت للعراقيين أنهم قد يخسرون دعمنا إذا لم يتعاونوا، ويبدو أنهم متفهّمون لذلك.
يقصد: لن نتحمل المسؤولية اللاحقة. لكن على المواطنين الأميركيين أن ينسوا ما ورد في فقرة سابقة من كلام على آثار هائلة الخطورة لعدم النجاح.
يقول: ثمة إجراءات أخرى مطلوبة من الحكومة العراقية: أمن المحافظات، تقاسم الثروة النفطية، إنفاق عشرة مليارات دولار، إيجاد وظائف، توسيع الحياة السياسية، إعادة النظر في اجتثاث البعث، صيغة معتدلة في تعديل الدستور...
يقصد: إن على العراقيين أن يصحّحوا كمية من الأخطاء التي ارتكبها الاحتلال والتي لم يرد ذكرها في الخطاب. على الضحية أن تساعد في تنظيم عمل الجلاد. والمكافأة على ذلك هي أن ما سرقته هاليبورتون وأخواتها سيكون متاحاً للعراقيين «الأصدقاء».
يقول: سنستفيد من توصية بيكر ــــــ هاملتون في تدريب الجيش العراقي...
يقصد: لا أريد أن يقول أحد إني رميت تقرير «الحكماء» جانباً. لقد اخترت منه توصية واحدة فقط هي، بالصدفة، تلك التي وجّهها إليّ مستشاري للأمن القومي ستيفن هادلي.
يقول: سنستمر في مطاردة «القاعدة» ونولي محافظة الأنبار اهتماماً خاصاً.
يقصد: إن الحرب بلا نهاية. وفي انتظار توافر 4 آلاف جندي جديد للأنبار، قمنا بمطاردة «القاعدة» في... الصومال!
يقول: إيران وسوريا مسؤولتان عن التدهور في العراق. سنواجه من يوصل السلاح إلى أعدائنا وسنبحث عن الشبكات وندمّرها...
يقصد: انسوا أي حوار مع طهران ودمشق. فالولايات المتحدة ماضية في تعميق الحرب وربما توسيعها. أما ما ورد في تقرير بيكر ــــــ هاملتون أو في أي اقتراح آخر عن تهيئة بيئة إقليمية مستقرّة لمعالجة الوضع العراقي فلا معنى له. لم أكن خاضعاً لتأثير «المحافظين الجدد» لأني، في هذا المجال، منهم.
يقول: سنشجّع دول المنطقة على دعم العراق، وخاصة دول مجلس التعاون ومصر والأردن. على هذه الدول أن تفهم أن هزيمة أميركا في العراق خطر عليها. وستتوجّه كوندوليزا رايس إلى المنطقة لبناء دعم للعراق ولاستمرار الدبلوماسية اللازمة لجلب السلام إلى الشرق الأوسط.
يقصد: ثمة أساس لتحالف بين الولايات المتحدة و«المعتدلين العرب» ينهض على أن الطرفين يحاربان «التطرّف». لن نضغط على أصدقائنا بالديموقراطية مقابل أن يجدوا في نجاح الاحتلال ضمانة لهم وأن يساعدوا في إقناع متمرّدين عراقيين بالتنازل عن السيادة. وإذا كان المعتدلون يريدون تسوية النزاعات في المنطقة فعليهم أن ينسوا الحل الشامل وأن يكتفوا بتحريك شكلي للمسار الفلسطيني ــــــ الإسرائيلي، علماً بأن ذلك قد يمرّ باقتتال فلسطيني داخلي.
يقول: نخوض في المنطقة المعركة الأيديولوجية الفاصلة في عصرنا والمصلحة الأميركية تقضي بتقدم الحريات.
يقصد: لم أنسَ أن قضية الديموقراطية هي الحجّة التي جرى استخدامها تبريراً للحرب بعد إفلاس ذريعة أسلحة الدمار الشامل. لا بأس من التذكير بها كهدف بعيد. أما سياسياً فإن ثنائية الاعتدال ـــ التطرّف هي القاعدة البديلة من الديموقراطية ـــ التوتاليتارية.
يقول: نتوقع خسائر... لكننا سننجح.
يقصد: لن أرتكب أخطاءً سابقة، ولا بأس من قدر من الاستباق. يجب تنبيه الأميركيين إلى أن المعركة صعبة مع وعدهم بالنجاح لأن ما يكرهونه فعلاً ليس الاحتلال وإنما الخسارة.
يقول: لن يكون استسلام أعدائنا باحتفال. والعراق الديموقراطي لن يكون كاملاً، لكنه سيحارب الإرهاب.
يقصد: المعركة مديدة والنفق الذي دخل فيه العراق قد لا يخرج منه.
يقول: درسنا الخيارات الأخرى المعروضة علينا، فوجدنا أنها غير مناسبة. ومع ذلك سنستمر في التشاور مع الكونغرس وسنشكل لجنة خاصة بذلك.
يقصد: بوش هو بوش قبل الانتخابات النصفية وبعدها، لا يرى ضرراً في أي تشاور ما دام لن يأخذ برأي يخالفه. الرئيس هو الذي يقرّر، ومن لا يعجبه ذلك فليحاول كسر القرار.