الثقة
  • روز زيــــادة

    سرّتني طريقة الكتابة التي اعتمدها الأب منصور لبكي في مقاله الذي نشر منذ أيام قليلة في جريدة النهار بعنوان «رجل الدين وصراع السياسيين»، فلم أقو على مغالبة قلمي الذي اشتعل بإيمان الأب لبكي، وأوقفنا أمام هيبة المقتطفات الفكرية التي تقول فيها الكنيسة أو التي تؤمن بجدواها. لذلك أقول للأب لبكي: «ما كتبنا يوماً لشتم الآخرين من على منبر الصحافة، إنما إهمال من نكتب لهم دفعنا لزيادة وزن التعبير علّهم يتضايقون ويقرأون شيئاً مما نحن بصدد لفت نظرهم إليه من حاجاتنا، ولما لنا من حق عليهم بتأمين البلد بكل قطاعاته.
    الذل الذي نعانيه يا أبتي الجليل الاحترام، بالقطيعة الفكرية، والعملية، والوطنية بين أولياء الأمر هو أكثر مما يمكننا تحمّله بعد ما مررنا به في الحرب اللبنانية. سنوات طوال، حزن دائم، وهم دائم، وفقر ومرض وعمر شباب احترق. والذي يثير فينا عدم الثقة هو اتّباعهم الأساليب نفسها. نحن انتخبنا يا أبتي. أجل انتخبنا برنامجاً، انتخبنا فكراً وطنياً، واستعداداً لنهضة الإنسان المحروق من تلك الحرب. كيف يمكننا أن نحقق نظرة الكنيسة لحلّ المعضلات، ونحن أداة انتظار بين أيدي من قتلونا، وهجّرونا وتلذذوا بعطشنا وجوعنا، واحتجازنا تحت نيران المدافع التي كانوا يتبارون بها. مع ذلك يعتقدون بأنهم أبرياء ... جميع من فعلوا هذه الأفعال هم أبرياء. وواجب علينا نحن أن نقول لهم: «يا جماعة استروا على ما أسأنا به إليكم».
    نعم يا أبتي، لقد اعتبروا أن انتخابنا براءة ذمة لهم، وثقتنا انتعشت من جديد تجاههم. هذا غير صحيح، لأنهم لم ينسوا يوماً طريقتهم في التعامل مع بعضهم بعضاً ومع الناس. وأن اعتبارهم للعيش، وللسياسة، ولحياة أبناء لبنان فيه شيء من الغلط، لا أريد أن أصفه لك. أعصابنا تتحطم وهم يتلهّون بحكم النكاية، ويتباهون بانتظار من سيملّ قبل الآخر.
    الثقة يا أبتي، هي وعد. هي مثل القسَم الصادق. لمن تريدنا أن نعطيهم ونحن أداة انتظار الموت البطيء. كيف يمكننا أن نتفلت من براثن «البوتكة» نفسها. هل جفّت جامعاتنا، وأدمغة شبيبتنا من الابتكار، وإرادتهم انعدمت من الوقوف الصائب لحكم البلد فيتولّد عندنا رجالات سياسة، وأسياد حكمة ليعيدوا لبنان إلى السلام؟ آمل أبتي أن تقرأ مقالي بالشغف الذي قرأت فيه مقالك.


    رسالة الى غبطة البطريرك صفير

  • روي عريجي

    تحية لكم يا صاحب الغبطة من إهدن مدينة الـ6 بطاركة والـ 37 مطراناً والكهنة والرهبان والراهبات.
    تحية لكم من مدينة العلماء والأبطال والرؤساء والشهداء.
    أكتب إليكم يا غبطة البطريرك، وأنا ابن إهدن المدينة التي ملأت صفحات التاريخ الماروني بمآثرها، رسالة متعلقة بالإخلاص والقيم والكرامة التي تغنّى بها الموارنة، بعيدة عن السياسة لأن حضرتكم رجل دين ولستم رجلاً سياسياً.
    ترددت قليلاً قبل كتابتها لأنني كنت أنتظر توضيحاً منكم لأبنائكم الموارنة المعتصمين في وسط بيروت دفاعاً عن حقوقهم التي تضمن وجودهم في منطقة الشرق الأوسط، وذلك بعد مسّكم لكرامتهم مرتين: مرة في مقابلة أجرتها معكم الإعلامية مي شدياق، عندما خشيتم من تقاضي المعتصمين مبلغاً قدره 50$، ما يفسد الإنسان، ومرة ثانية في إحدى عظات الأحد عندما قلتم إنكم تخشون على مصير العائلة من جرّاء الاختلاط في الاعتصام.
    فيا غبطة البطريرك، إنني واحد من المعتصمين في وسط بيروت، أولاً كما تعلم، وأنت رأس الطائفة المارونية، إن الموارنة على مرّ تاريخهم كانوا لولب النشاط السياسي في لبنان وما يحيطه، واليوم عندما شعر قسم منهم أن حقوقهم مهدّدة قرروا مع الفرقاء الباقين في الوطن الاعتصام للمطالبة بتأمينها، وخاصة بعد تخلّيكم عن الدفاع عنهم لأنه ربما كان اتجاهكم السياسي مختلفاً عن اتجاههم، وكما تعلمون أيضاً فإن الماروني في تاريخه قبِل الاضطهاد والحصار عوض العيش بالذل والمساومة على كرامته. أما ثانياً، فإن خشيكم على تفكك العائلة من جراء ما يحصل في الاعتصام من اختلاط ربما هو بمحله، لكنكم ألا تخشون من الاختلاط الحاصل في المؤسسات التعليمية؟
    فيا غبطة البطريرك، إن ما لم تستطع إسرائيل فعله طوال حروبها علينا هو تهديم الجسور بين اللبنانيين. ففي هذه الحرب أمّننا المقاومون على أمهاتهم وأخواتهم ونسائهم وبناتهم، ونحن اليوم في الاعتصام نؤمّنهم على أمّهاتنا وأخواتنا ونسائنا وبناتنا، فهذا الاختلاط هو أخويّ ويقوّي أواصر العائلة الصغيرة والكبيرة.