إبراهيم الأمين
لما كان ملف لبنان يتصل بقوة بما يجري في المنطقة، فإن التحضيرات الجارية الآن لمؤتمر باريس ــــــ 3 تشير ضمناً الى المناخ العربي والدولي الذي يعيش لبنان في ظله، مع كل التوقعات إزاء تبدلات في السياستين الأميركية والفرنسية خلال الأشهر الستة الأخيرة، برغم الكلام عن الاندفاعة الأميركية أكثر نحو توسيع دائرة الجنون في العراق وغيره. ويبدو أكثر من السابق أن الإدارة الأميركية بكل فروعها مستهلكة في ملف العراق. وبدا تأثير الرأي العام على الأمر لأنه بات أكثر حساسية تجاه ما يحصل. مع ارتفاع منسوب الفشل وارتفاع عدد القتلى الأميركيين هناك. وبالتالي لم يعد ملف لبنان أولوية رئيسية. ويكشف تقرير مصدره وزارة الخارجية الأميركية أن الجميع ينتظر نتائج الجولة التي ستقوم بها وزيرة الخارجية الأميركية كوندوليزا رايس الى المنطقة، وهي التي تصل الأسبوع المقبل قبل أن تعود الى واشنطن في الثاني والعشرين من الشهر الجاري لتعقد حلقة اجتماعات بخصوص لبنان قبل أن تعود الى باريس في الخامس والعشرين من الشهر الجاري للمشاركة في مؤتمر باريس ــــــ3 وتعقد على هامشه اجتماعات مع القيادة الفرنسية ومع عدد من الدول المشاركة الى جانب الرئيس فؤاد السنيورة.
لكن التقرير ينقل عن مصدر أميركي رسمي قوله إن جدول أعمال رايس في جولتها يتعلق بأمور تخص أساساً ملف الصراع بين إسرائيل والفلسطينيين. وهي قررت حتى الآن زيارة كل من السعودية ومصر والأردن ودولة الإمارات العربية المتحدة الى جانب إسرائيل ورام الله. والفكرة التي تعمل عليها تنطلق من آلية عمل أعدتها رايس مع رئيس مجلس الأمن القومي السعودي الأمير بندر بن سلطان. وتقوم على إنشاء رباعية عربية تضم السعودية والإمارات ومصر والأردن، وأن يجري العمل معها دون الحاجة الى المرور بمؤسسة الجامعة العربية ودون الحاجة حتى الى منح الأمين العام للجامعة عمرو موسى أي دور، وإن النقاش الأميركي سوف يقتصر عملياً من الآن فصاعداً على هذه الدول، وإن الرسميين الأميركيين سوف يتفادون تدريجاً الحديث مع الدول العربية الأخرى ومع موسى نفسه.
ووفقاً للمصدر نفسه فإن رايس تستهدف من جولتها ومحادثاتها ملف الحوار بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية، وهي ترى أنّه أولوية، وإن كانت ترى في ملف لبنان عنصراً مؤثراً لكنها ترى أن النجاح في إحداث اختراق على الجبهة الفلسطينية ــــــ الإسرائيلية سوف يتيح محاصرة بقية الدول التي تعمل في المحور الذي تقوده إيران. وستطلب رايس من هذه الدول توفير الغطاء السياسي والدعم المالي المباشر للرئيس الفلسطيني محمود عباس بقصد إجراء تغييرات سياسية وإدارية وأمنية داخل مناطق السلطة من ضمنها إجراء انتخابات نيابية جديدة في فلسطين، وتوسيع دائرة التعاون بين هذه الدول وإسرائيل لدعم أبو مازن لإجراء هذه التغييرات السياسية في الضفة وغزة، وأن ذلك يتيح إقناع إسرائيل بالإفراج عن الأموال الخاصة بالسلطة الفلسطينية التي تعارض تل أبيب كما بقية الدول الغربية وضعها بعهدة حكومة حماس.
أما الهدف الثاني لجولة رايس فهو إقناع الملك السعودي عبد الله بن عبد العزيز بتغيير الأولويات التي وردت في برنامج السلام مع اسرائيل، الذي تضمّنه البيان الختامي لقمة بيروت الشهيرة، وأن يُعاد ترتيب بنود المبادرة التي دعت اسرائيل الى الانسحاب من جميع الأراضي العربية المحتلة حتى حدود الـ67 مقابل إقامة سلام كامل معها من جانب الدول العربية، وأن يصار الى ضمان عودة اللاجئين الفلسطينيين الى منازلهم الواقعة الآن تحت سلطة دولة اسرائيل. ويبدو أن رايس بحثت ــــــ بحسب المصدر الأميركي ــــــ في جعل المبادرة تتغير لتصبح على شكل تصبح فيه:
عدم اعتبار حدود عام 67 نهائية، وإفساح المجال أمام تعديلات توفر الضمانات التي تحتاج إليها إسرائيل. ثم عدم ربط الحوار الضروري بين اسرائيل والدول العربية بأي خطوة كاملة في ما خص الانسحاب أولاً، أو في ما خص توقف الحوار بين اسرائيل والفلسطينيين من جهة أو مع السوريين من جهة ثانية، وأن الحوار العربي ــــــ الإسرائيلي يجب أن يسبق ما يرتبط بالاتفاق بين إسرائيل والفلسطينيين. كذلك عدم طرح عودة اللاجئين الى اسرائيل شرطاً لازماً وأن يصار الى تعديل يأخذ بعين الاعتبار التبدّلات التي حصلت وأن إسرائيل توافق على عودة اللاجئين الى مناطق السلطة الفلسطينية.
وحسب المصدر فإن موافقة “الرباعي العربي الجديد” تتيح نقل الحوار الاسرائيلي ــــــ الفلسطيني فوراً الى مناقشة تفاصيل المرحلة النهائية. وإلا فإن الأمور ستظل عند ما كانت عليه سابقاً ودون الوصول الى حل نهائي. ويقول المصدر إن رفض حماس القاطع لهذه الخطة يفرض حاجة ملحة إلى توفير كل أشكال الدعم لسلطة محمود عباس بما في ذلك توفير القدرات الأمنية والشعبية التي تتيح له تغطية قرار بحل البرلمان والحكومة وإجراء الانتخابات الجديدة.
أما ما خص لبنان من هذه الأمور، فيتصل بما ينقله التقرير عن مصدر من داخل الإدارة من أن حكومة الرئيس جورج بوش “قلقة جداً وأكثر من اي وقت مضى على الوضع في لبنان. وأن الوقت يعمل لمصلحة فريق المعارضة، وأن مؤتمر باريس ــــــ3 لن يُحسّن وضع حكومة الرئيس فؤاد السنيورة الضعيفة جداً”. ويلفت التقرير الى أمر جديد فيه أن “ثمة ما استجد لدى نافذين في الإدارة الأميركية نحو اعتماد خيار تجميد ملف المحكمة الدولية والاكتفاء بتقرير موسّع يصدر عن رئيس لجنة التحقيق سيرج براميرتس يكون كافياً لاستخدامه بوجه سوريا ومن معها في لبنان، وأن الأمر يعود الى كون فكرة المحكمة استهدفت أساساً زعزعة استقرار سوريا لكنها انتهت الى زعزعة استقرار لبنان وإضعاف حكومة السنيورة. إضافة الى أن براميرتس لم يقم بشيء مهم”. وينقل التقرير عن المصدر عبارة ذات مغزى “لم يأتنا براميرتس سوى بسن وقال إنها تعود الى شخص من خارج لبنان وسوريا”.
وبانتظار التغييرات في الجهاز الدبلوماسي الأميركي في الربيع المقبل، فإن معظم أمور لبنان متروكة للسفير جيفري فيلتمان الذي يتميز بقدرة على بناء علاقات قوية مع المعنيين. ويركز التقرير على نجاح فيلتمان في بناء علاقة قوية جداً مع السفير الفرنسي في بيروت برنارد إيمييه الذي يملك معرفة واسعة وله علاقات قوية ومهمة جداً في بيروت وتربطه علاقة خاصة بالقيادة الفرنسية، لكن الخشية تكمن في أنه مع رحيل الرئيس جاك شيراك في أيار المقبل، فإن أموراً كثيرة سوف تتغير، حيث سيتراجع التركيز الفرنسي على لبنان، لأن شيراك يمارس ضغطاً يومياً ودائماً على الرئيس بوش في ما خص ملفات لبنان. وثمة إشارات إلى أن الإدارة الفرنسية الجديدة لا تريد التورط في لبنان على النحو القائم حالياً.
بقي على اللبنانيين انتظار أشهر ستة قاسية أو أن الفرج يأتي من حيث لا ينتظر أحد.