عرفات حجازي
لم يطرأ جديد على جدول أعمال الجولة الثانية من المواجهة المفتوحة بين المعارضة والحكومة. فالأزمة ماضية إلى مزيد من التأزم واستحضار عناصر جديدة من التوتير وحقن الأجواء، ففريق السلطة يواصل سياسة الكيدية والاستفزازية. فبعد إقراره أخيراً لما يسمى الورقة الإصلاحية بكل ما حملته من تداعيات وتركته من ردود فعل غاضبة في الوسطين الشعبي والسياسي لجهة تحميل الطبقة العاملة أعباء ضرائب إضافية وزيادة في الدين العام، سارع اليوم إلى عقد جلسة لمجلس الوزراء ممعناً في خروقه الدستورية وضارباً عرض الحائط بغياب ممثلين عن طائفة أساسية في مكوّنات البلد، إضافة إلى السعي إلى فتح دورة استثنائية لمجلس النواب لإقرار المحكمة الدولية في وقت غابت فيه الحكومة والداعمون لها عن السمع في ملف التحقيق الدولي رغم رفض الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا للطلب الروسي بكشف أسماء الدول التي امتنعت عن التعاون مع المحقق الدولي ورفضت تقديم ما في حوزتها من معلومات وصور تعزز التحقيق وتساعده على النجاح في بلوغ أهدافه وخصوصاً أن هذه الدول هي التي قادت معارك دبلوماسية ضد سوريا وتجريمها بداعي عدم التعاون، ما يزيد الشكوك حول صدق النوايا المعلنة لفريق السلطة بالبحث عن الحقيقة في جريمة اغتيال الرئيس الحريري مع أنه يقود حالياً معركة تسريع المحكمة التي تحوّلت أداة ضغط واستثمار سياسي في المعركة الداخلية مع المعارضة.
ومع إمعان ما تبقى من الحكومة في خرق الدستور وتجاوز الميثاق الوطني والقفز فوق القوانين غير عابئة بالتطورات الخطيرة التي تجري سواء في الداخل أو في المنطقة وهو ما حمل الرئيس بري على التحذير من مغبّة سقوط البلد إذا ما استمرت بقايا السلطة في غيّها وممارساتها الاستفزازية والتصعيدية التي تقطع الطريق أمام أي منفذ أو مبادرة أو مسعى للخروج من هذا المأزق الوطني الكبير الذي دفعت إليه عقلية الاستئثار والتفرّد وعدم مراعاة التوازنات السياسية والطائفية وعدم الاستجابة لتحقيق المشاركة الصحيحة في الحكم عبر حكومة وحدة وطنية تخرج الجميع من حالة الأسر التي يعيشون فيها.
وتحمّل أوساط المعارضة الفريق الأكثري مسؤولية تعطيل المبادرات المحلية والعربية وإسقاط كل التفاهمات التي تمت مع بعض قادته والتراجع عن تعهدات قطعها سابقاً.
وترى المعارضة أن فريق السلطة يرتكب خطأً فادحاً في رهاناته على الدعم الخارجي وعلى حسابات تقوده إلى اعتبار أن المعارضة باتت أمام الحائط المسدود وأن قدرتها على التقدم محكومة بضوابط لا يمكن تخطيها، وبالتالي فإنها ستظل أسيرة المراوحة والإرباك مع انسداد في أفق تحركاتها القادرة على إسقاط الحكومة.
وتقول المعارضة إنها ما زالت ومن منطلق حرصها على البلد وسلامته تعطي الفرصة للحكومة لتدارك ما يمكن تداركه قبل فوات الأوان وهي تأمل أن تؤخذ رسائلها وتحذيراتها بالاعتبار قبل أن تبدأ العملية الجراحية الموجعة كخيار لا بد منه...
ومع حالة الاستعصاء التي يعيشها الوضع اللبناني والتي تنذر بمخاطر كبيرة ومع وصول قطبي الأزمة إلى ساعة الاستحقاق الحاسمة لم يعد في وسعهما الاستمرار في حالة المراوحة، فإما التصعيد مع كل ما يترتب عليه من عواقب وإما العودة إلى التهدئة والتبصّر وعقلنة المواقف، ما يمهّد الطريق إلى إحياء المبادرات والبحث مجدداً في التسويات والمخارج، ولعلّ السفير المصري في لبنان حسين ضرار يملك من المعطيات ما جعله يلاحظ من خلال صور التصعيد ملامح شديدة التعقّل ومواقف لفرقاء أساسيين تنم عن رغبة في الحلول وإنهاء التأزم، وما كشفه الوزير مروان حمادة منذ يومين عن مساعٍ لتأليف حكومة وحدة وطنية وربما قبل انعقاد مؤتمر باريس 3، وما قالته مصادر في الخارجية الفرنسية عن وجوب توسيع القاعدة السياسية للحكومة بعد باريس 3 يصب في الاتجاه الذي يعمل عليه السفراء العرب في لقاءاتهم المعلنة والبعيدة عن الأضواء مع الأطراف الأساسيين في الأزمة، وليس خارج السياق الجولة العربية لرئيس الحكومة فؤاد السنيورة وعلى جدول أعمال الجولة، إلى جانب إطلاع الدول العربية السبع على الورقة الإصلاحية والمشاكل الاقتصادية، التباحث في الوضع الناشئ في لبنان جراء الأزمة السياسية الحادة. وستكون المحطة الأبرز للسنيورة في القاهرة والرياض حيث يضطلع الرئيس مبارك والملك عبد الله حالياً بمهمة التمهيد لعودة عمرو موسى إلى بيروت، وهما يتابعان من خلال سفيريهما في بيروت تفاصيل الاتصالات التي يجريانها مع أطراف الأزمة وحثّهما على تقديم تنازلات متبادلة وترميم جسور التواصل.