strong>إبراهيم عوض
لم تمض ساعات على عودة المبعوث الرئاسي السوداني الدكتور مصطفى عثمان اسماعيل إلى الخرطوم، قبل عيد الميلاد الماضي، بعد أن أنهى والأمين العام لجامعة الدول العربية عمرو موسى جولة جديدة من الاتصالات والمباحثات مع الأطراف اللبنانية في إطار المبادرة العربية لحل الأزمة، حتى واجهته انتقادات عبر وسائل إعلام وشبكات انترنت (خصوصاً سودانايل) أعرب أصحابها من سياسيين وكتّاب وصحافيين ومواطنين عن استيائهم من ظهور اسماعيل خلال مرافقته لموسى في بيروت كأنه مساعد له يقوم بدور ثانوي، فيما الوقائع تثبت عكس ذلك، وتبيّن أن لا مجال في هذه المهمة تحديداً أن يتقدم أحدهما على الآخر.
وتوضح هذه الانتقادات ما ذهبت إليه بهذا الخصوص، فتذكّر بأن الدكتور اسماعيل الذي عمل وزيراً للخارجية على مدى تسع سنوات يمثّل الرئيس السوداني عمر حسن البشير الذي يرأس الدورة الحالية للقمة العربية، ومن هنا يأتي الغطاء العربي لتحرك الجامعة في لبنان. كما ان البشير كان أول من بادر لإرسال مبعوثه ومستشاره الخاص إلى بيروت بعد أشهر على اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري بهدف المساهمة في تهدئة الأجواء واستكشاف ما يمكن عمله لمساعدة اللبنانيين على جمع شملهم، وذلك قبل أن يعاود إيفاده مجدداً إلى بيروت التي جاءها مرتين الشهر الماضي، ونجح في تظهير مبادرة كتبها بخط يده وسلّمها إلى المعنيين قبل أيام على قدوم الأمين العام للجامعة إلى لبنان ليشاركا معاً في المساعي الهادفة إلى حل الأزمة الراهنة.
وتلفت مصادر سودانية مسؤولة إلى أن السودان، ومن منطلق الحرص على رأب الصدع السياسي الماثل في لبنان، يعتبر نفسه مؤهّلاً للقيام بهذا الدور من منطلق اكتسابه الخبرات في التفاوض الداخلي والتي تجلّت بوضوح من خلال وضع حد للنزاع الذي كان قائماً بين الشمال والجنوب على مدى خمسين عاماً، بالإضافة إلى تماثل التنوّع الموجود في لبنان مع التنوّع الذي في السودان، وإن كان العامل الإثني أعلى في حالة السودان فيما العامل الطائفي الديني أوضح في حالة لبنان. وقد وفّق السودانيون عبر التزام الحوار في التوصّل إلى صيغة للتعايش المشترك أمكن تحويل هذا التنوّع، وإن لم تكتمل مراحله بعد، إلى عامل وفاق وإصلاح.
وتتقاطع المعطيات الواردة سابقاً مع معلومات مستقاة من بعض من شملتهم لقاءات الأمين العام للجامعة والمبعوث السوداني في بيروت تفيد أن المبادرة العربية التي سوّق لها موسى ما هي إلا نسخة طبق الأصل عن الأفكار التي طلع بها اسماعيل بعد أن أضاف إليها الأول تواريخ تخص بنوداً معيّنة، منها تحديد الأول من شباط المقبل موعداً لاستئناف جلسات الحوار بعد إقرار مشروع المحكمة الدولية وتأليف حكومة جديدة وفق صيغة 19 + 10 + 1. وتكشف المعلومات نفسها أن المبعوث السوداني بلغ في مبادرته مرحلة متقدمة، إذ حدّد على الورق مواصفات ما سمّي «الوزير الملك»، فيما أجرى موسى تعديلاً على اقتراح اسماعيل القاضي بأن تسمّي المعارضة خمسة أسماء مرشحة لتولّي المنصب المذكور، بحيث رفع العدد إلى سبعة، إلا أن رئيس الحكومة فؤاد السنيورة لم يرق له ذلك، وقد تساءل أمام المسؤولَين العربيين: «لماذا لا أتسلّم لائحة من ألف إسم حتى أختار واحداً منها؟!».
وتقول أوساط سياسية متابعة في بيروت تسنّى لها الاطلاع على أجواء العاصمة السودانية في ما يخص حركة الثنائي موسى ـــ اسماعيل أن مأخذ الخرطوم على الأمين العام لجامعة الدول العربية لا يتعدّى إطار العتاب الذي هو على قدر المحبة التي يكنّها المبعوث الرئاسي السوداني لموسى الذي تربطه به صداقة قديمة، وإن كان هناك في الأروقة الدبلوماسية من يرى في بعض تصرفات الأخير محاولة لـ«خطف الأضواء» من صديقه السوداني كما تبيّن في المؤتمر الصحافي الأخير الذي عقده الأمين العام للجامعة في بيروت حيث غاب عنه ذكر الجالس بقربه، المعروف عنه هدوؤه وإدراكه للّياقات الدبلوماسية. وتردّد أن سفير السودان في بيروت جمال محمد ابراهيم قد تنبّه لهذا الأمر فأسرّ الى إحدى مندوبات وسائل الإعلام المرئية بطرح سؤال على المبعوث الرئاسي السوداني حول لقائه مع الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله، وهذا ما حصل.