strong>عصام نعمة اسماعيل(*)
من مسلّمات الفقه الدستوري، أن مجلس النواب هو أكثر المؤسسات مراعاةً للشكليات والرسميات في جلساته واجتماعاته ونصاب الحضور وآلية عرض ومناقشة مشاريع القوانين أو أي أمر آخر يدخل في اختصاص المجلس. وهذه الصرامة والدقة في التعامل مع الشكليات والأصول في هذه المؤسسة الدستورية له ما يبرره. فهي تحتلُّ موقعية مميزة بسبب أهمية الأعمال التي يمارسها مجلس النواب كسلطة لها اختصاصات تشريعية ومالية ورقابية واتهامية لأعضاء الحكومة. ومن خلال هذه الخاصية كانت كل تصرفات المجلس النيابي وما يصدر عنه إنما يرعاها النظام الداخلي للمجلس النيابي.
وإذا دققنا في مواد هذا النظام نقرأ بصراحة الدور المميز لرئيس المجلس كركن أساسي يتولى من جملة ما يتولى أن: «...يرعى في المجلس أحكام الدستور والقانون والنظام الداخلي..» (المادة 5 من النظام). فهو بهذه الصلاحية يمارس سلطة ميثاقية تجيز له إجراء الرقابة على دستورية أعمال المجلس، فتشمل رقابته ضمان أن لا يكون المجلس مشاركاً أو محفّزاً على تفاقم أزمات البلاد. وإذا ما رأى رئيس المجلس أن اجتماع مجلس النواب قد يساهم في عدم الاستقرار، وما يعنيه ذلك من التعرض لميثاق العيش المشترك المحفوظ بالدستور، أو إذا رأى بأن الحكومة فقدت شرعيتها الدستورية ولا يستطيع كمجلس نيابي أن يتعاطى معها كمؤسسة دستورية، فإن من واجبه كراع لأحكام الدستور في المجلس النيابي أن يمنع مجلس النواب من الدخول كطرف في أزمة سياسية، أو أن يستعمل المجلس النيابي كأداة لتأمين الغطاء الشرعي لحكومة تقول فئة كبيرة من اللبنانيين بأنها غير شرعية.
وبممارسة رئيس المجلس لهذه السلطة الدستورية، فإنه لا سلطان ولا معقِّب لأي من أعضاء مكتب المجلس أو لغيرهم من النواب عليه، وليس لهم أن يحلّوا محل الرئيس أو يبدّلوا قناعاته. وهذا الكلام ليس رأياً، بل هو نص وارد في النظام الداخلي.
حيث ورد في هذا النظام بأن تقرير دعوة مجلس النواب للانعقاد، ووضع جدول أعمال، إنما هي من اختصاصات مكتب المجلس الذي يرأسه رئيس المجلس النيابي. وإذا راجعنا المادة 9 من النظام، نجدها تُخضع اجتماعات هيئة مكتب المجلس لأصول اجتماعات اللجان.
وفي المادة 27 المتعلقة بأصول اجتماعات اللجان، نقرأ بأن كل لجنة تجتمع بدعوة من رئيسها، ويقوم المقرر بتوجيه الدعوة عند تعذر قيام الرئيس بمهماته وذلك بناءً على تكليف من هذا الأخير أو من رئيس المجلس.
وتعني هذه الفقرة الصريحة معطوفة على صلاحيات نائب الرئيس المقررة في المادة 6، أن نائب الرئيس ينوب عن الرئيس في حالتي: غياب الرئيس أو تعذر قيامه بمهماته، وطالما أن الرئيس نبيه بري ليس متغيباً، فيقتضي لتطبيق الحالة الثانية، تحقق شرط جوهري وهو حصول نائب الرئيس على تكليف من الرئيس بالدعوة إلى الاجتماع، وأما إذا امتنع الرئيس عن تكليف نائبه صراحةً بالدعوة إلى الاجتماع، فإن هذا الاجتماع وهذه الدعوة إذا ما حصلا، يكونان باطلين وغير منتجين لأي أثر قانوني لمخالفتهما أحكاماً صريحة في النظام الداخلي.
وحيث إن لا اجتهاد في معرض النص الصريح، فإن أي بحث عن استبعاد رئيس مجلس النواب ثمّ إغفال حضوره على رأس مؤسسة مجلس النواب، وتجاوزه من أجل توجيه الدعوة لاجتماع المجلس النيابي ، فهذا لا يفسَّر إلا على أنه من قبيل اغتصاب صلاحيات رئيس المجلس بل واغتصاب السلطة التشريعية والقضاء على حياديتها وتمثيلها لكل اللبنانيين، ثمَّ الزج بها في الصراع الدائر بين تكتّلي الأكثرية والمعارضة.
(*) مدير مركز القانون العام.