ابراهيم الامين
لا يبدو أن الامين العام للجامعة العربية عمرو موسى مستعجل للعودة الى بيروت، على رغم تلقّيه اتصالات متكررة من الرئيس فؤاد السنيورة يلح عليه فيها بالقدوم لاستئناف الاتصالات التي توقفت عند مبادرة اخيرة لم تحز موافقة جميع الاطراف. لكن موسى الذي تعرّف اكثر فأكثر على المشكلة اللبنانية وعلى الفرقاء، لا يمكنه الاستماع فقط الى رئيس الحكومة. وهو اصلاً لم يلتقه أول من امس في القاهرة، ومن المفترض أن يلتقيا غداً إذا عاد السنيورة الى القاهرة كما ذكرت مصادر قريبة من موسى، أشارت الى أن اتصالات الأمين العام ببيروت، والتي تشمل أساساً السنيورة والرئيس نبيه بري، لم تحمل أي جديد. بل إن بري الذي ساعد موسى في كثير من المحطات لا يزال يقول له: «اعمل على معادلة سين ــ سين». وهو يقصد بذلك العمل على المبادرة من اجل فتح قناة اتصال جدية بين سوريا والسعودية لما لذلك من تأثير حاسم على مجريات الأزمة اللبنانية.
وعلى رغم ان موسى التقى القيادتين السعودية والسورية قبلاً، فإنه لم يسمع أي جديد من شأنه فتح الباب امام مرحلة جديدة من الوساطة لمعالجة الأزمة اللبنانية. وهو لا يزال عند رأيه بأن الجميع في مأزق، وفي حاجة الى من ينزلهم عن الشجرة العالية التي صعدوا اليها. لكنه يعرف الآن أن دعوات السنيورة إليه قد لا تحمل ما يخوّله إحداث اختراق نوعي في الجبهة الاخرى، بقدر ما قد يكون الهدف إحياء اتصالات بقصد القول إن لبنان ليس متروكاً وإن فريق السلطة يرغب في ايجاد حل. لكن النتيجة الوحيدة لهذه العملية تكون في كسب السنيورة المزيد من الوقت علّ الأسابيع المقبلة تحمل اليه الترياق الذي يجنّب حكومته موجة صدام اعنف مع قوى المعارضة، خصوصاً أن بري الذي لم يكن يمانع في إحداث هذا الاختراق عشية «باريس ــ3» لم يعد الآن في موقع القادر على تقديم اقتراحات مختلفة جوهرياً عمّا وصل اليه سابقاً. وهو يدرك من خلال الاتصالات الجارية بالسفيرين السعودي والمصري عبد العزيز خوجة وحسين ضرار، أن دعم مساعي موسى لا يتجاوز الكلام، وأنه ليس في الأفق أي اشارة الى رغبة القاهرة والرياض في بذل أي جهد متميز في اتجاه سوريا، ولا في اتجاه الضغط على الفريق الحاكم والحليف لهما في بيروت من اجل ملاقاة الآخرين في منتصف الطريق.
ويعرف بري أن المساعي القائمة الآن لا تأخذ الا الطابع التجميلي، وهو الامر الذي لا يمكن تسويقه لدى قوى المعارضة ولا لدى بقية اللبنانيين، كما أنه لن يحظى بدعم دمشق في أي حال من الاحوال. وهو أمر ثبت لدى الجميع في الايام القليلة الماضية عندما برز إلحاح من السفير السعودي في بيروت على ترتيب لقاءات مباشرة بين فريقي السلطة والمعارضة، وهي جهود تركزت على الآتي:
ــ سعي السعودية الى إقناع قيادة «حزب الله» بفتح قنوات الاتصال المباشر مع تيار «المستقبل»، وتقديمها اقتراحات في هذا المجال لجمع الامين العام للحزب السيد حسن نصر الله مع النائب سعد الحريري أو مع السنيورة. ثم العمل على اقتراح دعوة نصر الله والنائب الحريري الى اجتماع برعاية الملك عبد الله بن عبد العزيز في السعودية وبحضور من يرغب من الآخرين، لا سيما الرئيس بري والنائب وليد جنبلاط.
ــ سعي السفير السعودي الى فتح قنوات اتصال ولو على مستوى ادنى، ومن خلال البحث في الورقة الاقتصادية او في ملف المحكمة الدولية، وأن يتم الأمر من خلال لقاء بين رئيس كتلة نواب حزب الله ورئيس الحكومة.
ومع أن خوجة سمع اجوبة واضحة من قيادة حزب الله تفيده بأنه ليس هناك من داعٍ لأي اجتماع اذا لم يكن خلفه اتفاق وأمامه مشروع حكم، فقد سمع بقوة وحزم ان قيادة الحزب لا تزال تفوّض الرئيس بري في المفاوضات السياسية بشأن الحل، وأنها لا تجد ما يوجب الاجتماع مع الآخرين لمجرد الاجتماع، وأن لغة التحريض الطائفية والمذهبية التي يشنها تيار «المستقبل» من دون هوادة لا تدل على رغبة منه في التوصل الى توافق او حلول، وبدلاً من أن يردّ على الهجمة السياسية على الحكومة يعمد الى تحويل الصراع السياسي الى صراع مذهبي. وبالتالي فإن الحزب لا يريد ولا يسعى الى لقاء من اجل الصورة، وهو ليس في وضع يحتاج فيه إلى مثل هذا الفولكلور، مع أن قيادة حزب الله أبلغت السفير السعودي في بيروت مثلما أبلغت الملك عبد الله مباشرة، أنها لا تسعى إلى قطيعة مع احد، وبرغم كل ما حصل فإن مواقف الحزب التي أطلقت في جلسات الحوار أو التشاور، وفي الخطب المركزية لأمينه العام، وما قيل خلال المحادثات مع الوسطاء العرب، تعبّر عن إرادة مشاركة الآخرين من فريق السلطة في متابعة امور اللبنانيين وأن يكون الأمر بالتوافق.
اما الجانب الآخر من الموضوع فيتعلق بالموقف الاجمالي من حركة المعارضة، اذ يبدو المسعى السعودي ــ المصري منطلقاً من اعتبار أن المشكلة هي فقط بين أمل وحزب الله من جهة والمستقبل وجنبلاط من جهة اخرى، وأن أي اتفاق مع الثنائي الشيعي من شأنه فك عقدة المعارضة. وهو امر لا يعكس فهماً دقيقاً لواقع الموقف الذي يتمسك به حزب الله لناحية أنه بات من الآن فصاعداً شريكاً لقوى أخرى ذات وزن حقيقي. وهو يقصد هنا التيار الوطني الحر وكل الاحزاب والقوى والشخصيات السياسية العاملة ضمن اطار المعارضة. وهو ليس في وارد أي تنازل يؤدي الى اضعاف هذه القوى، ولن يتركها في بداية الطريق ولا في منتصفه ولا في آخره. وقال حزب الله كلاماً فهم منه الفريق العربي أنه لا مجال للعودة الى التحالف الرباعي الذي جمع سابقاً (المستقبل وجنبلاط مع امل وحزب الله)، وأن الحزب وباقي اطراف المعارضة ليسوا في عجلة من امرهم برغم إدراكهم دقة المرحلة. لكن يصعب توقع موقف من جانب حزب الله من شأنه الدخول في متاهة جديدة وهو العارف بأن السلطة الموجودة لا تريد إلا امراً واحداً هو تفكيك المعارضة وإنهاك عمودها الفقري المسيحي، أي العماد ميشال عون، ثم عزل قوتها الشيعية المركزية أي حزب الله. وبالطبع فإن هذا ليس هدف فريق السلطة فحسب بل هو أمر العمليات المركزي الآتي من الفريق كوندوليزا رايس وصحبها المنتجبين.