إبراهيم عوض
حرص الرئيس نبيه بري على شرح وجهة نظره في الأوضاع الراهنة، وإعطاء صورة لأسباب الأزمة وللمراحل التي مرّت بها وما تخللها من مساعٍ قام بالقسم الأكبر منها بغية إيجاد حلول. وهو فعل ذلك ثلاث مرات الأسبوع الماضي، خلال استقباله وفداً من نساء المعارضة، ولمناسبة زيارة أعضاء السلك القنصلي له، ولدى لقائه أعضاء لجان المهن الحرة في حركة «أمل».
ويكتسب الاجتماع الأخير الذي جرى أول من أمس أهمية خاصة، إذ أراده بري جلسة مكاشفة بعيداً من الإعلام، خلافاً للقاءين السابقين. وما تسرّب منه أمس ونشر في عدد من الصحف نقلاً عن مشاركين في الاجتماع تضمن عناوين الحديث الذي أدلى به بري من دون التطرّق إلى التفاصيل التي أورد في سياقها أكثر من واقعة، وكشف جوانب عدة من شريط الأحداث التي مر بها لبنان منذ اغتيال الرئيس رفيق الحريري وتشكيل حكومة الرئيس فؤاد السنيورة.
وفي مقدم «المحطات» التي توقف عندها رئيس البرلمان وضع الحكومة التي أكد عدم دستوريتها، مشيراً إلى أن ما صرح به في طهران عقب استقالة الوزراء الشيعة «لم تفقه الأكثرية معناه، بل اتخذت منه ذريعة للتأكيد على شرعية الحكومة، فاكتفت بقولي إن الحكومة غير مستقيلة وتعمدت تجاهل تتمته، أي أداة الشرط لبقائها والكامنة في تعيين بدلاء من الذين قدموا استقالاتهم». وفيما يعدد بري المخالفات الدستورية التي ارتكبتها الحكومة السنيورة، رأى أن القضية ـــ الفضيحة المتمثلة في استقالة وزير الداخلية حسن السبع وعدم البت بها طوال ثمانية أشهر، وقيام الوزير أحمد فتفت (لفظ اسمه خطأ: أحمد تفتف) بتولّي الوزارة بالوكالة، تكرر مع الوزراء الشيعة الذين لم تبتّ استقالاتهم وتجرى تكليف وزراء آخرين القيام بمهماتهم وبالوكالة أيضاً. ولا أظن أن أحداً يجهل أن الوكالة لا تجوز دستورياً وخصوصاً أن الوزراء الأصيلين المستقيلين موجودون في لبنان.
وأبدى بري أسفه لتردّي العلاقة بين رئيسي الجمهورية والحكومة. وإذ لفت إلى أن الود مفقود بينه وبين الرئيس اميل لحود، أوضح أن ذلك لا يعني الانتقاص من رئاسة الجمهورية حفاظاً على دور المؤسسات. وذكّر بأنه التقى لحود مرتين فقط بعد اغتيال الرئيس الحريري، الأولى في عيد الاستقلال والثانية لدى زيارة أمير قطر لبيروت بعد العدوان «اذ حرصت على أن أكون إلى جانب رئيس الجمهورية في استقباله وحثثت الرئيس السنيورة على المجيء حفاظاً على صورة الدولة الموحدة». وأقر بري بأنه قاطع الرئيس الراحل الياس الهراوي 55 يوماً، وكذلك فعل مرات مع الرئيس، إلا أنه لم يدع موقفه هذا يؤثر في عمل المؤسسات.
وفيما أخذ بري على السنيورة عدم زيارته دمشق بعدما تلقى دعوتين من الرئيس بشار الأسد لذلك، نقل إليه الأولى وأبلغه أمير قطر الثانية، توقف عند الزيارة المرتقبة لرئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس إلى دمشق للقاء رئيس المكتب السياسي في حركة «حماس» خالد مشعل، منوهاً بهذه المبادرة التي جعلت عباس المعروف بتصلّبه يتخلى عن كل الاعتبارات ويتوجه إلى حيث الثقل السياسي الفعلي لـ«حماس» سعياً لإيجاد الحلول للأزمة التي تعيشها الساحة الفلسطينية. وأمل من السنيورة أن يتّعظ من هذه الزيارة علّه يقدم على خطوات من شأنها حلحلة الأمور للخروج من الوضع الراهن.
وتوقف بري مطوّلاً عند مشروع المحكمة الدولية، مبدياً تأثره بمحاولات 14 آذار إظهار ان الشيعة معارضون لها والعزف على وتر المذهبية، مكرراً عدم تلقي المجلس حتى الساعة المشروع. وعدد المراحل التي مر بها هذا المشروع بدءاً من قرار الحكومة تكليف وزير العدل شارل رزق التفاوض بشأنه مع الأمم المتحدة خلافاً لما نص عليه الدستور القاضي بأن مثل هذه المفاوضات والمعاهدات منوطة برئيس الجمهورية. وروى أن رزق جاءه يوماً للبحث في مشروع المحكمة، فسأله إذا ما كان بإمكانه تكليفه شراء المتحف! وشدد بري على التزامه نص الدستور في هذه المسألة معلناً رفضه قبول مشروع لا يحمل توقيع رئيس الجمهورية، مشيراً إلى أن الأمر نفسه يسري على مشروع لا يحمل توقيع الوزير المختص. وروى أنه كاد مرة أن يضرب بمطرقته قائلاً «صُدّق» لمشروع بُحث في مجلس النواب قبل أن يطلب النائب بطرس حرب الكلام، لافتاً إلى وجود مخالفة تفرض إعادته إلى الحكومة لخلوّه من توقيع وزير آخر معني بالمشروع، وقد تبين يومها صحة موقف حرب وأعيد المشروع إلى الحكومة للتوقيع. وقال بري إنه ذكّر حرب بهذه الواقعة حين التقاه أخيراً، كما ذكّره بأخرى مشابهة حين ضرب بمطرقته فعلاً وهمّ بالمغادرة بعد إقرار أحد المشاريع ثم عاد عن ذلك إثر اعتراض حرب ورئيس مجلس النواب السابق حسين الحسيني، الأمر الذي استدعى يومها إلغاء التصويت.
وحذر بري نواب الأكثرية من مغبّة المضيّ في فكرة عقد جلسة نيابية برئاسة نائبه فريد مكاري لإقرار مشروع المحكمة الدولية قائلاً: «لا أنصحهم بذلك لأنهم سيرون العجب». وأورد في هذا الإطار واقعة للدلالة على خطورة الموضوع وأبعاده عنوانها: «التوقيع على قانون الإعدام» الذي رفضه الرئيس سليم الحص وارتؤي قيام نائبه ميشال المر بذلك ففعل، لكن أثناء غياب الحص عن لبنان. إلا أن الحريري، على رغم الخلاف المعروف بينه وبين الحص، قصد الهراوي على عجل، طالباً عدم العمل بالقرار، لكونه يشكل سابقة خطيرة وينتقص من سلطة رئيس الحكومة، وهذا ما حصل فعلاً، فوضع القرار في الدرج وبقي هناك حتى الساعة.
وتوقف بري في حديثه عند الحرب التي شنتها إسرائيل على لبنان، مبيّناً عدم صحة ربطها بأسر الجنديين الإسرائيليين، مستغرباً إعلان الولايات المتحدة حبها لـ«ثورة الأرز» فيما قنابلها تدمر لبنان وتعليماتها إلى إسرائيل تقضي بمواصلة الحرب. كما عرض للمبادرات العربية التي أفشلها فريق الأكثرية، وتطرق إلى مبادرته الأخيرة التي أجهضت قبل أن تولد. وأعاد التأكيد على ضرورة تنقية العلاقات بين سوريا والسعودية لما لذلك من انعكاسات إيجابية على الساحة اللبنانية. ولم تفت بري الإشارة إلى ما ذكر في إحدى الصحف عن إلحاقه المختبر الصحي المركزي بمقر «عين التينة» ممازحاً الحضور بقوله إنه «قام بفرض الحجر على المقر المذكور الذي قد ندخل إليه البعض».
أما أخطر ما في كلام بري فجاء في ختام اللقاء حين أبدى تخوّفه من حدوث فتنة في نهاية الشهر، «إذا لم يتم تدارك الأمر قبل ذلك».