عرفات حجازي
الوضع غير مطمئن، والصورة قاتمة، ومرشحة لأن تكون أسوأ. فالخيارات ضاقت ولم يعد أمام المعارضة بعدما أعطت الفرصة تلو الفرصة، سوى التصعيد والبدء بسياسة الكيّ، ولم يعد أمام الحكومة سوى الصمود بعدما رفضت كل العروض، وأجهضت كل المبادرات لتبقي زمام المبادرة في يدها، في إطار سياسة التفرّد والاستئثار، مسقطة في تجاوزاتها الدستورية أهم أسس الكيان اللبناني القائم على العيش المشترك. ولم يكتف فريق السلطة بشلّ المؤسسات وتفريغها، بل ذهب بالتصعيد الى الذروة، محاولاً تدمير آخر خطوط الدفاع عن وحدة لبنان ، وهو المجلس النيابي الذي نجح رئيسه حتى الآن في إبعاده عن وباء الانقسامات والتفسخ الذي ضرب بقية المؤسسات.
لذا ينتظر أن تكون الفترة الفاصلة عن 25 من هذا الشهر، موعد انعقاد مؤتمر «باريس 3»، حبلى بالتطورات، فإما الجنوح نحو التسوية وإما الانفجار.
من هنا جاءت التحذيرات التي أطلقها الرئيس نبيه بري، منبهاً الجميع الى استشعار الخطر المحدق بلبنان نتيجة السياسات الانتحارية التي يمارسها فريق السلطة، مستقوياً بدعم خارجي لإدارة البلد وفق سياسة «هزّ الاصبع» و«الأمر لي». ولم يكن بري في قرعه جرس الإنذار يريد تخويف اللبنانيين وتيئيسهم، بقدر لفت النظر الى ما نحن مقبلون عليه إذا ما استمرت الأمور على ما هي عليه من فوضى سياسية ودستورية وإعلامية تخطّت كل المحرّمات وكشفت الوضع أمام تدخلات خارجية تؤذن بإدخاله في نفق مجهول.
وعلى غير عادة، لا يلمس زوّار عين التينة أية بوادر توحي بحلحلة قريبة بل بأجواء مكفهرة، والرئيس بري يقرع ناقوس الخطر لعل هناك من يسمع ويبادر قبل هبوب العاصفة وخراب البصرة. ويقول العارفون بطبائع بري إن الرجل كان في ذروة الأزمات يبقى على تفاؤل معقول، قناعة منه بأن الحوار هو الخيار المنطقي الوحيد لفتح باب المخارج السياسية. إذ ليس من المعقول أن نركب المخاطر وندفع أثمان الخلافات لنعود الى الحوار والتسويات المتوازنة. فلماذا لا نوفر على أنفسنا أكلاف الحروب ونبدع في ما بيننا توافقات ومعادلات لا يستمر البلد من دونها.
لكن فريق السلطة في رأي رئيس المجلس ذهب بعيداً في تجاوزاته، ولعل الحكومة الحالية هي الوحيدة في تاريخ لبنان التي أمعنت في انتهاك الدستور والميثاق. وهو يستعرض أمام زواره محصلة ما قامت به خلال 18 شهراً، فيوجزها على الشكل الآتي: عطّلت المجلس الدستوري، صادرت صلاحيات رئيس الجمهورية، نقلت الخلاف مع الرئيس اميل لحود من حال الخصومة الموجودة في الحياة السياسية الى حال العداء لتعطل عمل السلطة التنفيذيةً.
بكلام آخر لا يمكن أن يستمر البلد في ظل انقسام سلطته التنفيذية. ويعتبر بري أن «العلاقة بين رئيسي الجمهورية والحكومة كعلاقة الزوج بامرأته، المساكنة على الأقل مطلوبة وإلا سنصل إلى طلاق خلعي لا رجعي». أما في موضوع المحكمة الدولية فيؤكد: «ما من أحد رفض المحكمة. كنت أول المطالبين بإنشائها، لكن أليس من حقنا أن نناقش في تفاصيل نظامها؟ وإصرار الحكومة على تهريبها وعدم إفساح المجال أمام وزراء أمل وحزب الله لمناقشتها، عزز المخاوف من أن هذه السلطة لا تريد محكمة تقتص من الجناة بقدر ما يريدون محكمة سياسية تصفّي حساباتهم مع خصومهم. ومع ذلك أقروا المحكمة وقفزوا فوق الشروط والآليات المعتمدة لإبرام المعاهدات الدولية التي تقضي بأن يتولى رئيس الجمهورية المفاوضة وإبرام المعاهدات بالاتفاق مع رئيس الحكومة بحيث يكون توقيع الرئيسين ملزماً على مشروع المعاهدة قبل عرضه على مجلس الوزراء.
ويمضي بري في تعداد المخالفات لجهة امتناع الحكومة عن تقديم الموازنات لسنتين متتاليتين، علماً انها ملزمة تقديمها بمواعيد محددة، إضافة الى انه رغم تقديم عدد من الوزراء استقالاتهم واصرارهم عليها، احتفظ رئيس الحكومة بالاستقالات من دون إحالتها الى رئيس الجمهورية، متجاوزاً الآليات الدستورية ومضيفاً لنفسه صلاحيات لم يذكرها الدستور. فتجميد الاستقالات أدى الى تكليف من بقي من أعضاء الحكومة القيام بمهمات الوزراء المستقيلين وهم موجودون، فكيف يعيّن وكلاء عن حاضرين، وكيف يمكن التعامل مع وزير مستقيل يمارس غيره مسؤولياته وهو وزير. عدا عن أن الامتناع عن تعيين بدلاء عن الوزراء المستقيلين الذين ينتمون لواحدة من الطوائف الكبرى يعني العبث بصيغة العيش المشترك.
هذه الأسباب مجتمعة جعلت الكيل يطفح عند الرئيس بري من مضي الفريق الحاكم بعيداً في سياساته المناقضة للمصلحة اللبنانية واستقوائه بالخارج في كل تحرك يقوم به في الداخل، وجعله يرتاب من توجه هذا الفريق للقيام بخطوات تدميرية لجهة النية بالدعوة الى عقد جلسة نيابية برئاسة نائبه فريد مكاري، ما يشكل في رأيه رصاصة الرحمة على الطائف وإعادة البلاد الى بدايات الحرب وزجّ لبنان في المجهول.