جان عزيز
«البيّنة على المدعي، واليمين لمن أنكر»، إنها القاعدة الشرعية والقانونية الحقوقية التي يكررها أكثر من مسؤول إيراني، تعليقا على الاتهامات المساقة أخيرا في بيروت ضد طهران، حول تدخلها في الشؤون اللبنانية. «نسألهم أن يعطونا دليلاً جدياً واحداً حول تدخلنا، على أن يكون أكثر من مجرد الكلام الإعلامي، كالذي يسوقه وليد جنبلاط»، يقول مصدر مسؤول في الخارجية الإيرانية. ويفنّد مسؤول آخر: «يأخذون علينا مسألة السلاح الى «حزب الله»؟ لكن هذا السلاح هو لكل لبنان ولكل اللبنانيين. ففي النهاية، أليست هذه أرضكم ومياهكم وسماؤكم؟ ألا تريدون الدفاع عنها؟ كيف يعتبر سلاح مرصود للدفاع عن السيادة اللبنانية تدخلا في شؤون بلدكم؟ ثم يأخذون علينا مسألة المال؟ هل من بيت لبناني واحد لا يتلقى تحويلات مالية من الخارج؟ علما أن هذه الأموال ليست مسؤولية ايران كدولة. انها جزء من قاعدة دينية وشرعية موجودة في كل زمان ومكان. وهي موجودة اليوم في كل دولة فيها مسلمون شيعة. وهي كانت موجودة في لبنان قبل «حزب الله»، وستظل كذلك. حتى لدينا هنا في ايران، هناك تحويلات مالية هائلة الى مقام الرضا في مدينة مشهد، وهي تكاد تفوق القدرات الحكومية الايرانية، ويشرف عليها شرعا أناس غير ايرانيين، ونحن نفهم ذلك... باختصار المال المحوَل الى لبنان، ليس قطعا تدخلا من طهران في شؤون بيروت الداخلية».
ويوجه السؤال الى مسؤول ايراني آخر: اذا لم يكن الامداد بالسلاح تدخلا، ولا تحويل المال كذلك، فكيف تتدخلون؟ ليجيب: «ومن قال أن تدخلنا في شؤون الآخرين هو الماء الذي نشرب، ليكون ضرورة حتمية واجبة الوجود؟ سوانا هو من يتدخل في لبنان، لا نحن بالتأكيد».
أما عن رواية الاشكال بين وزير الخارجية الايراني منوشهر متكي ورئيس الحكومة اللبنانية فؤاد السنيورة ابان الحرب الأخيرة، فيوضح مسؤول في الخارجية الايرانية قائلا: «أنا كنت حاضرا هذا اللقاء، قال الوزير إننا ندعم كل ما يجمع عليه اللبنانيون. فسأله السنيورة عن رأيه في مبادرته والبنود السبعة، فكرر الوزير: نحن مع اجماع اللبنانيين. أكد لنا رئيس الحكومة أن هذا الاجماع حاصل، فقلنا له: اذا لماذا تسألون الدول الخارجية؟ ولماذا تستدرجون التدخلات الأخرى؟ هذا كل ما حصل، ولم يبد الوزير متكي أي موقف أو ملاحظة حيال قضية مزارع شبعا أو غيرها. وفي كل حال فان المحاضر والتسجيلات موجودة وشاهدة».
ازاء هذه الصورة، هل من حل للأزمة اللبنانية الراهنة؟ ومتى وكيف؟ يرد مسؤول في الخارجية: «الحل حتمي، وهو سيقوم على قاعدة توافق اللبنانيين». ليضيف مسؤول آخر: «الحل ممكن في غضون شهرين كحد أقصى»، وذلك لسببين اثنين، أولهما لأنه لكل تصعيد ذروة، والتصعيد الذي يفتعله بعض الداخل والخارج في بيروت، يكاد يبلغ ذروته، ليليه انحسار وتراجع. أما العامل الثاني، فهو بداية ادراك الأطراف الاقليمية التي حاولت واشنطن زجها في الأزمة اللبنانية، للفخ المنصوب لها في بيروت. لقد بدأوا يدركون أن «تحالف المعتدلين» الذي دعاهم اليه جورج بوش، لن يكون الا بقيادة اسرائيل، لا حلفا لدعمهم وتعزيز قوتهم، ولن يكون بالتِأكيد بقيادة أي من هؤلاء. مع ما لهذا الأمر من مخاطر على المعنيين، ولذلك فهم بدأوا يعيدون حساباتهم». ما هي مؤشرات ذلك؟ كثيرة، بحسب المسؤول نفسه. «أحدها زيارة وفد «حزب الله» الى السعودية في 26 الشهر الماضي». وتسترسل أوساط مطلعة في طهران، في عرض بعض وقائع تلك الزيارة، وكيف أن الملك عبدالله استدعى السفير السعودي في بيروت، عبد العزيز الخوجة، لاستيضاحه ما سمعه من ضيفيه، وكيف علت حدة الحوار بين الشيخ نعيم قاسم ووزير الخارجية السعودي سعود الفيصل، قبل أن تترطب الأجواء، وقد اتضح للمعنيين الكثير من المعلومات المنقوصة أو حتى المغلوطة. «ثم هناك مؤشر آخر، هو المبادرة العربية. وليست مصادفة أن يكون الآخرون من يعطلها». ليستقطع المسؤول قائلا: «أنصح اللبنانيين باقامة تمثال من ذهب لعمرو موسى، عرفانا لما يقوم به».
الى هذه المؤشرات العلنية، يلمح أكثر من عارف ايراني الى أن حرارة ايجابية ملحوظة، عادت أخيرا الى خط الاتصال السعودي - الايراني. ومن بوادرها ظهور الوزير متكي على شاشة تلفزيونية سعودية قبل أسابيع ثلاثة. وهي حرارة مرشحة للتصاعد، وقد يكون الحل اللبناني من أولى ثمارها.
وكيف تكون صيغة هذا الحل؟ يشرح مسؤول ايراني «أن التوافق الحكومي اللبناني هو الحل الوحيد الممكن. فهل يعقل، مثلا، أن يكون وليد جنبلاط نائبا عن طائفة، كل نوابها ثمانية، وتكون له كتلة نيابية من 17 نائبا؟! ألم يكن ذلك على حساب حقوق طوائف أخرى؟ لذلك فان أي حل يجب أن يضمن عدم الحاق أي غبن بأي طائفة أو جماعة». قبل أن يتابع المسؤول نفسه، ودائما من باب «الملاحظة، لا التدخل»، «وعندها يجب أن تقوم حكومة قادرة على حل جميع المسائل العالقة. ولذلك يفترض أن يكون أعضاؤها مؤهلين لذلك. وهذا ما يدركه اللبنانيون تماما، لجهة أن لا أشخاص حياديين في لبنان. وأنتم اكتشفتم ذلك مع الحكومة الحالية، خصوصا في حالة وزراء مثل المر ورزق ومتري...».
كل هذه التفاصيل، ولا تعتبر زياراتكم واتصالاتكم تدخلاً؟ يبتسم المسؤول الايراني، قبل أن يجيب مستعينا ببيت من الشعر الفارسي، يحرص على ترجمته حرفيا: «نذهب برأسنا، لا بأقدامنا، لطلب الحبيب. لا يصل من يذهب بأقدامه بدل رأسه، الى قلب الحبيب».