غسّان سعود
سيمثّل تعليق إجراء الانتخابات الطالبية في كليات الجامعة اللبنانيّة حلقة إضافية في سلسلة الانعكاسات السلبية للانقسام السياسي الحاد على الواقع التربوي. وكان قد سبق هذا القرار الإداريّ تفشّي السلوك العنفيّ وثقافة الشتم في أكثر من جامعة، الأمر الذي أدّى إلى إلغاء الانتخابات الطالبية في عدّة جامعات خاصة، أو إجرائها وفق شروط استثنائية


  • «زلم بتشرب دم» داخل الكلّيات... و«وينو اللي ناوي يقاتل؟»

  • «يبقى حزب الله حرس الثورة الاسلامية في لبنان التي تسعى إلى قيام الدولة الاسلامية في لبنان»... «سيكون المسيحيون الملحقون بهذا الانقلاب أهل ذمة»... «جنبلاط يحمي السلاح الموجه نحو العدو وهو ليس سلاحاً يعتز ويتحالف مع نظام يقتل القادة ويدمر الوطن»... «ذكرى 13 تشرين تحولت لعنة تاريخية لاحقت صانعيها إلى أن أودت بهم بين ضريح وزنزانة انفرادية وقصر معزول وجريمة أعادت مرتكبيها كالفئران ذليلة إلى أوكارها»... هذا بعض من البيانات التي يُوزعها طلاب الجامعات في لبنان. وتكشف هذه الثقافة المكتوبة غن مخزون العنف والغضب الذي غالباً ما يتحوّل إلى تراشق بالكراسي بين الطلاب، وشتائم، وعصي وجنازير، وكلام عن الدم، وحوارات بالأقدام... سلوك يجعل العمل السياسي في الجامعة أشبه بالمغامرة التي يكتفي كثيرون بالنظر إليها من بعيد.
    الجامعات الخاصة
    غالباً ما تكون البيانات الطالبية الخطوة الممهّدة للصدام بين الطلاب. ففي جامعة الحكمة، انتهى تبادل البيانات بين العونيين والتقدميين إلى التدافع والتضارب بينهم. وهو ما حتّم على إدارة الجامعة، تعليق الانتخابات الطالبيّة للسنة الثالثة على التوالي. وجديد هذا العام، صدور تعميم إداري يطلب من الطلاب «الامتناع عن ممارسة أي نشاط حزبي أو سياسي داخل حرم الجامعة».
    أما في الجامعة الأميركية في بيروت، فالحادث الأبرز حصل مع مسؤول التيار في كلية الهندسة ساكو هالتيان الذي أنهى صفه وتوجه إلى موقف السيارات بالقرب من الجامعة، ليجد أن الزجاج الأمامي لسيارته قد حُطم، والحجة الوحيدة الظاهرة، تزيينه المرآة والمقاعد بالفولارات البرتقالية. ومنعت إدارة «الأميركية كل المظاهر السياسية في الحملات الانتخابية. قبل أن تُستكمل الصورة الديموقراطية بالجدران البشرية التي أقامتها القوى الأمنية أمام مدخل الجامعة، بين مؤيدي قوى 14 آذار ومعارضيها. لكن حتى هذه لم تمنع الجماهير المحتشدة من تحويل غضبها وحقد بعضها على بعض إلى هتافات. فعلت صرخات: «لا إله إلا الله.. نصر الله عدو الله»... وزجل تقدمي: «بو تيمور ما تعتل هم، عندك زلم بتشرب دم»، و«عدم سكوت الفريق الآخر سيدفعنا إلى أن نوصل الدم حتى الركب».
    الجامعة الأنطونية في بعبدا، التي لم تشهد في تاريخها أي عراك طالبي، مرت انتخاباتها بهدوء. لكن طلاب القوات اللبنانية وحلفاءهم المحتفلين بالفوز، سرعان ما انقضّوا بعضهم على بعض، وكادوا يتقاتلون بعدما وضع أحدهم أغنية «وينو اللي ناوي يقاتل»، وهو ما أثار طلاباً آخرين قالوا إن الأغنية تخص تيار المردة. علماً بأن الأغنية المذكورة تكاد تكون الأكثر رواجاً عند الشباب هذه الأيام، وخصوصاً أنّ عيون الشباب، داخل الجامعات وخارجها، تبدو باحثة عن هذا «اللي ناوي يقاتل» حتى «نوصل دمه للركب».



    والخوف من الدم، دفع طلاب التيار إلى عدم المشاركة في انتخابات الجامعة الأميركية للمعلومات (AUT)، كما ورد في بيان لجنة الشباب في التيار، إضافة إلى السعي للحفاظ على سلامة جميع الطلاب وتحسباً لأية مشاكل وتشنجات قد تنعكس سلباً على الأوضاع السياسية.
    وفي الجامعة اللبنانية ــ الأميركية، بعد أن وصل العنف بطلابها، العام الماضي، إلى حد إطلاق النار داخل حرم الجامعة الواقعة في المربع الأمني لقصر قريطم، استكمل هذا العام قرار إدارة الجامعة بإلغاء العمل السياسي، بشبه تعيين من الادارة لأعضاء المجلسين الطالبيين في بيروت وجبيل. وأدى الحصار الإداري للسياسة العلنيّة في اللبنانيّة ــ الأميركية إلى ضبط معظم مظاهر التشنّج.
    جامعة سيّدة اللويزة قرّرت، من جهتها، أن «تكسر الشرّ». فألغت الانتخابات الطالبية بعدما نظّم الطلاب حملاتهم، نزولاً عند رغبة «أبينا البطريرك نصر الله بطرس صفير الذي أوصى بتجنب أي أسباب تؤدي إلى تشنّجات بين الطلاب في الجامعات».
    الجامعة اللبنانيّة
    إذا كانت هذه هي حال الجامعات الخاصة، فالوضع أكثر تفاقماً في الجامعة اللبنانيّة، حيث تشير المعطيات إلى احتمال اشتعال فتيل الانفجار في اية لحظة. والعنوان الأبرز للمشاكل في اللبنانية، هو كلية إدارة الأعمال والعلوم الاقتصاديّة ــ الفرع الثاني. وهي ساحة وصل التشنج بأهلها في العام الماضي إلى حدِّ استعمال «الجنازير» والعصي. أما سيناريو 2006 ــ 2007 فجاء كالآتي: عُقد اجتماع للتفاوض بين الأطراف السياسية والدكتور عبدالله نجّار، ممثلاً الإدارة. لكن موافقة الإدارة على رفض العونيين تحديد موعد للانتخابات بسبب تأخر الإدارة في إعلان مواعيد الامتحانات الفصليّة، دفع بعض أنصار تحالف 14 آذار إلى الانفعال ورشق المجتمعين بالكراسي. وأقام طلاب السلطة «حائطاً بشرياً منعوا عبره طلاب التيار من الدخول إلى الكلية».
    أما الساحة الثانية من حيث حدة التشنج في الفروع الثانية، فتتمثل في كلية الحقوق والعلوم السياسية، رغم القرار الضمني للتيار بعدم خوض معركة الحقوق هذه السنة. وسرعان ما تطور تمزيق الملصقات العونيّة في الحقوق من جانب طلاب القوات اللبنانية إلى سجال كلامي، استتبع بتراشق في الكراسي. وانتهى اليوم الطالبي ــ الحقوقي في جل الديب بتوقيف عدد من العونيين والقواتيين.
    وانسحبت حال التشنج هذه على فروع الجامعة اللبنانية في المحافظات أيضاً. فسارع طلاب تيار المستقبل وحلفائه في الفروع الخامسة إلى تنظيم اعتصام في مبنى كلية الحقوق بعد يومين من تنظيم المعارضة لاعتصام داعم لإسقاط الحكومة في المكان نفسه. لكن رفض طلاب المعارضة لهذا المهرجان دفع المسؤولين عنهم إلى إيجاد تسوية تمثلت بزيارة طلاب المعارضة الجنوبيين لمخيم الاعتصام في وسط بيروت، وتمضيتهم اليوم بعيداً عن جامعتهم. ويُرجح وفقاً لعدد من الطلاب أن تزداد حدة التشنج في الفروع الخامسة بين طلاب المستقبل وحلفائهم من جهة وطلاب المعارضة من جهة أخرى، وخصوصاً أنّ الأكثرية الطالبية في كليات صيدا تنتمي إلى حزب الله وحركة أمل، وعلى رغم ذلك، يصر تيار المستقبل على تنظيم عدة نشاطات له في هذه الكليات.
    و«اللبنانية» في طرابلس، تشهد أياماً غريبة هي الأخرى. وبحسب عدد من طلاب التيار، فإن عملهم السياسي أصعب اليوم منه في أيام السوريين. ويشير هؤلاء إلى تهديدات غير مباشرة كثيرة يتعرضون لها، دفعتهم إلى ما يشبه تعليق عملهم السياسي. ويُسجل في هذا السياق أن تياري المردة والوطني الحر شبه غائبين هذه السنة عن النشاط السياسي في «القبّة» بعدما كانوا من أبرز القوى فيها.
    دور الإدارة
    الجديد هذا العام، كان الجرأة الطالبيّة في اتهام بعض الادارات الجامعية بالتدخل في الحياة الطالبيّة، واتهم البعض الإدارة بالضغط على الطلاب لتغيير قناعاتهم السياسيّة، منتهكة بذلك الحرية الطالبيّة.
    في «اللبنانية»، يشتكي طلاب القوات اللبنانية خصوصاً من عميد كلية إدارة الأعمال والعلوم الاقتصادية، ويتهمونه بالانحياز للتيار في الفرع الثاني. ويتحدث القواتيون ايضاً عن تآمر بين إدارة كلية الآداب ــ الفرع الثاني وهيئتها الطالبية لمنع حصول أي خرق قواتي في الانتخابات التي يفوز بها التيّار منذ أكثر من عشر سنوات بنتيجة 21 ــ صفر. فيما اشتكى طلاب كثر في كلية الحقوق والعلوم السياسية ــ الفرع الخامس من «لغة تحريضية مذهبية استخدمها بعض من في الادارة». ونقلت إحدى الطالبات عن إحدى الموظفات سؤالها: «كيف يقام نشاط للمعارضة في مدينة سنيّة؟». وفي الجامعات الخاصة ايضاً، ازداد هذه السنة احتجاج طلاب المعارضة على سلوك الإدارات في بعض الجامعات. وتمكن أحد طلاب اليسوعيّة من تسجيل كلام لأحد أساتذته يتناول فيه العماد عون بطريقة غير أخلاقيّة، ويتهم مؤيديه بالجهل. وكان لافتاً تفشّي ظاهرة تعليق الانتخابات الطالبية والنشاط السياسي من جامعة الروح القدس ــ الكسليك إلى جامعتي الحكمة وسيّدة اللويزة.




    نقل ملفّات

    لهجة درزية في كلية الحقوق والعلوم السياسية ــ2. ظاهرة تثير الصدمة للوهلة الأولى، وخصوصاً أنّ أهل الجامعة كانوا حتى الأمس القريب يقولون عن الدروز أموراً لا يمكن تخيلها. وتزداد الظاهرة غرابة عند العلم بأن دروز الفروع الثانية يسكنون في الشوف، ويستغرقون يومياً ساعات في التنقل من منطقتهم إلى كلياتهم الجديدة. وانتقال هؤلاء إلى الكليات ــ المعاقل للقوات اللبنانية ــ كان عفوياً حتى طلب النائب وليد جنبلاط من طلاب حزبه عدم التوجه إلى مجمع الحدث.
    الكلام الكثير عن انتقال الطلاب دفع برئيس الجامعة اللبنانية الدكتور زهير شكر إلى دعوة الطلاب للعودة إلى كلياتهم، وتزامن ذلك مع تعزيز عدد أفراد القوى الأمنية الموجودين في حرم المجمع الجامعي، والطلب من الشركة الأمنية المولجة الحراسة في الحدث، التدقيق في البطاقات الجامعية للداخلين إلى الجامعة. وأدت خطوة رئيس الجامعة واتصالات متشعبة في تأمين عودة هادئة لطلاب الحزب التقدمي إلى الحدث.
    لكنّ الطلاب العونيين يرون أن أهدافاً انتخابية تقف وراء نقل الملفات من الفرع الأول إلى الفرع الثاني. ويتحدث هؤلاء عن عمليات منظمة تهدف إلى تغيير الواقع الانتخابي في بعض السنوات، ما يؤثر على نتائج الانتخابات بشكل كبير.




    قوّات ــ عونيّون

    أدّى انسحاب «العدو المشترك» للعونيين والقواتيين في الفروع الثانية إلى تفرّغهما بعضهما لبعض. ويبدو بارزاً خلال الأشهر الماضية، انصراف عدد كبير من طلاب هذين الفريقين لإعادة نبش التاريخ. كما استعاد بعض مناصريهم المفردات التي سوّقتها الاستخبارات السورية وحلفاؤها. وبموازاة العلاقة الطيبة المستجدة بين طلاب حركة أمل وحزب الله بعد الخلافات الكثيرة التي وصلت سابقاً إلى حدود تبادل إطلاق النار، يبدو طلاب القوات والتيار شبه عاجزين عن دفن أحقادهم،
    ولم تنتظر خلافات القوات والعونيين احتدام الصراع السياسي في البلاد، ففي العام الدراسي الماضي، تبادل الطرفان في كلية الحقوق ــ2 بيانات نارية محورها «نظافة الحمامات». ثمّ انتقل القوات إلى اتهام العونيين بالكفر والتجديف بسبب تحالفهم مع «الحزب الداعم للفلسطينيين» (أي الشيوعي) وقيامه بطلاء جدران الجامعة التي كانت تمتلئ بإشارات الصليب. وفي المقابل، تغيب المحاضرات السياسية والندوات الثقافية والنشاطات الهادفة إلى تفعيل قيم المواطنية والديموقراطية والمشاركة الشبابية الفاعلة في رسم شكل المجتمع اللبناني. وتزداد حالة الشلل الثقافي والفكري تفشياً.




    رجل «الثياب السود»

    في إحدى المقابلات التلفزيونية، تحدث الدكتور سمير جعجع عن رجل «الثياب السود». وهي التسمية المخابراتية لشاب ظهر للمرة الأولى في كلية الحقوق والعلوم السياسية، إثر إشكال بين التيار والقوات، أصيبت خلاله إحدى الطالبات العونيات، وتدعى ريتا كيروز.
    يومها، أي في عام 1999، ظهرت فجأة سيارة «رينو 5» في ملعب الكلية، سيارة قديمة، عليها صورتان: واحدة للعماد عون، وأخرى للرئيس سليمان فرنجية. ونزل منها ثلاثة شبان. ما إن شاهدوا سلمان سماحة رئيس مصلحة الطلاب السابق في القوات اللبنانية حتى هجموا عليه وانهالوا عليه بالضرب، رغم أن سماحة كان يحاول الاعتذار من المسؤولين العونيين في الكلية، وإنهاء المشكلة.
    لاحقاً، اكتسب شاب «الرينو 5» ألقاباً كثيرة، وشهرة كبيرة وفّرتها كثرة مشاكله المتنقلة بين الكليات. وتبيَّن أنه عسكري سابق في الجيش اللبناني، وموظف في الإذاعة اللبنانية. أدّت تحرّشات هذا الشاب بفتيات القوات اللبنانية وتلطيشاته المزعجة والنابية إلى عشرات المشاكل بين القوات والتيار. آخر هذه المشاكل حدث هذا العام في كلية الآداب، حين اقترب من إحدى الطالبات القواتيات، وأسمعها كلاماً إباحياً. فما كان منها إلا أن بدأت بالصراخ واتهمته بأنه يحاول اغتصابها، ما استدعى استنفاراً قواتياً، وطلب تعزيزات من كليات أخرى. انتهى الحوار الجنسي من طرف واحد إلى تكسير عدة طاولات وعشرات الكراسي، وإصابة عشرات الطلاب، فيما كان شاب «الثياب السود» كما وصفه أحد ضباط المخابرات قد وصل إلى الجديدة، وهمَّ بتناول «اللحم بعجين».