strong>كامل جابر
لم تجر رياح الأحلام بما كانت تشتهيه «سفن» التجار والمستثمرين، المعوّلين آمالاً اقتصادية كبيرة جداً على قدوم قوات «اليونيفيل» الجديدة، وخصوصاً تلك الآتية بالآلاف من أوروبا، مع ما تحمله من رواتب جلها من «اليورو». ومن يقصد اليوم، بلدة الناقورة، عاصمة قوات اليونيفيل في جنوب لبنان، مراقباً أصحاب الدكاكين متسمّرين تحت شمس شتاء كانون الثاني، ينفثون في الهواء الطلق دخان «النراجيل»، يدرك «قلة» العمل، ومآل الوضع الاقتصادي وحركة البيع والتجارة، في البلدة الساحلية التي عوّل تجارها كثيراً على تلك الآلاف في تحريك عجلة المال والاقتصاد، بعد موت سريري بدأ منذ التحرير في أيار عام 2000؛ مع تراجع عديد القوات الدولية، وكذلك الحضور الأوروبي للجنود الذين كانت بلادهم تدرّ عليهم نعماً من العملة الصعبة؛ واستمر حتى هلال القرار 1701 بعد عدوان تموز، القاضي بإرسال نحو خمسة عشر ألف ضابط وجندي من قوات الأمم التحدة، جلّهم من أوروبا.
وعدم تقدم عجلة التجارة كثيراً في الناقورة، يشبه تماماً الوضع في العديد من البلدات الجنوبية، في تبنين وبنت جبيل وبرج قلاويه وبلاط ومرجعيون وحتى الشهابية، حيث مقار كتائب اليونيفيل المختلفة، وخصوصاً الفرنسية والإيطالية والاسبانية والبولونية وغيرها. ومرد ذلك، بحسب كميل، صاحب متجر لبيع الهدايا وآلات التصوير الفوتوغرافي والفيديو، إلى «أن العديد من قوات اليونيفيل، استحدثت تعاونيات كبيرة وخاصة داخل مقارها الرئيسية، فيها مختلف البضائع والمعدات، وحتى المشروبات الروحية والغازية، التي تستوردها شركات أجنبية، جاءت من بلدان كتائب اليونيفيل، من دون جمارك، وتبيعها للجنود بأسعار أقل بكثير من أسعار المتاجر اللبنانية، الخاضعة لنظام الضرائب والجمارك والـ TVA».
ربما استفادت بعض المطاعم في مدينة صور وجوارها من روادها من الجنود الدوليين، الراغبين في تذوق نكهة الطعام اللبناني والوجبات المحلية المختلفة، وبعضها طوّر وجباته واسمه على «نكهة» بعض بلدان جنود اليونيفيل؛ بيد أن ذلك لم يحرك كثيراً العجلة الاقتصادية في عاصمة الساحل الجنوبي الحدودي؛ ولم يجد بعض المستثمرين «اللاهثين» عشية قدوم هذه القوات، نحو المدينة وشرقها الممتد باتجاه بنت جبيل، وصولاً إلى مرجعيون، ضالتهم في كسب متوقع؛ ظنوا أنه سيكون على صورة سلفه، إن لم يكن أكثر، من الأيام «الخوالي» الذي جعل من العديد من البلدات الجنوبية، قبلة التجارة والكسب «الجزيل»؛ وإذ بهم أمام خسائر «غير متوقعة» رتبت على كواهلهم أعباءً مادية وديوناً تحتاج إلى «منقذ».
لا تعني الدكاكين الممتدة بخط طولي قبالة المقر الرئيسي والضخم لقوات اليونيفيل في جنوب لبنان، أبناء الناقورة أنفسهم، إذ إن معظم السلع المزينة للواجهات والمكدسة فوق الرفوف «الأنيقة»، لا تدخل كثيراً في يومياتهم واحتياجاتهم؛ لذلك لا أمل، يرجوه اليوم، أصحاب هذه الدكاكين غير جنود «اليونيفيل»، على عكس ما كان سائداً قبل التحرير في عام 2000، إذ إن المنطقة كانت مغلقة، على أبناء الجنوب الواقع تحت الاحتلال الإسرائيلي المباشر والميليشيات المتعاونة معه، أكثر منها على قوات الطوارئ الدولية؛ وبالتالي كانت هذه المنطقة تشكل حلقة اقتصادية «ملزمة» أقرب إلى الدائرة المقفلة، وإن كانت مفتوحة على مرفأ تهريب بحري لا يخضع لنظام الجمارك، وبضائع كانت تستورد في معظمها من إسرائيل. أما عناصر الطوارئ، في حينه، فكانت من دول سخية على جنودها، وخصوصاً النروج والسويد، عاشت المنطقة مع جنودهما فترة رخاء تجاري واقتصادي، تراجع كلياً مع وصول البدائل الغانية والهندية والدول الاشتراكية.
في الناقورة والجنوب، ثمة من يجد وقتاً للاستمتاع بدفء شمس كانون، والجلوس على قارعة الطريق، بينما تذرع آليات «اليونيفيل» المختلفة، الطرقات ذهاباً وإياباً، وفي داخل العديد من الدكاكين، هناك من يرجو توقف هذه الآليات ومن فيها أمام متجره، لعله ينعم ببعض العملة الأوروبية، التي قد تكون فاتحة، ربما، لمستقبل اقتصادي يرجو ازدهاره.