طارق ترشيشي
كلما تقدم الرئيس الدكتور سليم الحص في العمر ازداد تألّقاً وألمعية وتوهجاً. ومبدأه الثابت الذي لا يحيد عنه هو أن «المسؤول يبقى قوياً الى أن يطلب أمراً لنفسه». فهو حاضر الذهن، ومتابع دؤوب لكل مجريات الأوضاع المحلية والإقليمية والدولية، يهتم بالتفاصيل. وانغماسه في الشأن السياسي لا ينسيه أو يشغله عن متابعة الوضع الصحي لمريض قريباً كان منه أم بعيداً.
من مكتبه المتواضع في عائشة بكار يطل «ضمير لبنان»، كما يحلو لكثيرين أن يسمّوه، على كل الشؤون والشجون التي تشغل لبنان والعالم العربي. يتابعها ويقرأ أبعادها والخلفيات محاولاً من خلالها استكشاف ما يمكن ان يكون عليه مستقبل لبنان، الذي ترأس مجموعة حكومات فيه في حقب متلاحقة كانت أخيرتها، وقد لا تكون آخرها، الحكومة الأولى في عهد الرئيس إميل لحود بين خريفي 1998 و2000.
يماشي الرئيس الحص سائله الرأي بأن زيارات الرئيس العراقي جلال الطالباني لسوريا (لمدة 6 ايام) ورئيس مجلس الامن القومي الايراني محمد جواد لاريجاني للسعودية، والرئيس الفلسطيني محمود عباس المنتظرة لدمشق للقاء رئيس المكتب السياسي لحركة «حماس» خالد مشعل (إذا لم تكن وزيرة الخارجية الاميركية كوندوليزا رايس قد عطّلتها)، لا يمكن أن تتم من دون علم الإدارة الأميركية أو من دون ضوء أخضر منها. بل ان هذه الزيارات تدل، في رأيه، على ان واشنطن «تفاوض تحت الطاولة»، فيما تصعّد في الاعلام، فتهدد سوريا وايران وتتحدث عن «محور الشر».
ويماشي الرئيس الحص سائله أيضاً بأن المملكة العربية السعودية تفعل خيراً إذا تمكنت من تأطير دول الخليج العربية معها في موقف تطرحه في مؤتمر باريس ـــ 3، وهو تعهد تقديم مساعدة كبيرة للبنان عندما تؤلّف فيه حكومة تمثّل جميع اللبنانيين، أي حكومة مشاركة وطنية شاملة في القرار، مشيراً الى أن قيادة «حزب الله» هي التي كانت صاحبة هذا الاقتراح و«سيكون أمراً جيداً إذا أُخذ به».
وينتقل الرئيس الحص من ذلك ليشير الى الاهتمام الاميركي «الكبير» برئيس الحكومة فؤاد السنيورة «الذي يذكره المسؤولون الاميركيون وفي مقدمهم الرئيس جورج بوش بالاسم مرات ومرات، الامر الذي لم يفعلوه مع أي رئيس حكومة لبنانية»، من الرئيس رياض الصلح الى الرئيس رشيد كرامي والرئيس صائب سلام، وصولاً الى الرئيس رفيق الحريري. ويبني على ذلك ليؤكد أن هذا الموقف الاميركي هو ما يدفع السنيورة الى عدم التجاوب مع مطالب المعارضة وحل الأزمة القائمة بينها وبين فريق السلطة. ويقول: «السنيورة لا يملك قراره لأن القرار عند الإدارة الأميركية».
ويستذكر الرئيس الحص ما دار بينه وبين السنيورة عندما زاره في السرايا الحكومية ليسلمه مبادرة «منبر الوحدة الوطنية ـــ القوة الثالثة» لحل الازمة بين السلطة والمعارضة، فيقول: «بادرته في بداية اللقاء بالقول: إني قلق. سألني لماذا؟ فأجبته: لأنني أراك مرتاحاً... ولو أني أرى رئيساً قلقاً لا ينام الليل باحثاً عن حل للأزمة لكان في إمكاني أن أنام مطمئناً».
ولا يستبعد الحص أن يحاول السنيورة الاستفادة من الحضور العربي والدولي في مؤتمر «باريس ـــ 3» الذي سيعقد في 25 من الجاري ليحاول تأكيد «شرعية حكومته التي ينزعها رئيس الجمهورية والمعارضة عنها استنادا الى نصوص المادة 95 من الدستور والفقرة ي من مقدمته». وبعد أن يشرح ما نصّت عليه مبادرة «القوة الثالثة» من حل للموضوع الحكومي يقول إن أي تصعيد من جانب السلطة او المعارضة «بات عبثياً»، وإن المطلوب إيجاد حل يُخرج البلاد من مأزقها عبر حكومة وحدة وطنية تتأمن فيها المشاركة الشاملة. لكنه يشير في الوقت نفسه الى أنه لن يكون هناك حل للأزمة «ما دامت الولايات المتحدة تريد أن تهزم إيران في لبنان، معتبرة أن حزب الله هو ايران، وهذا أمر مستحيل، ونأمل أن يقنعها أحد ما بأن هذا مستحيل، لأن حزب الله ليس ايران، بل هو نصف لبنان».
ويخشى الحص ختاماً من ان تكون البلاد مقبلة على تصعيد من جانب المعارضة يتوقع أن يبلغ ذروته في 25 من الجاري، فإما يؤدي الى فرض حل متوازن يرضي الجميع وإما تدخل البلاد في أزمة كبرى.