انطوان سعد
توقفت أوساط مراقبة عند انتقادات السياسيين، وبخاصة المسيحيين منهم المنضوين في تجمع قوى الرابع عشر من آذار، لمبادرة الأساقفة الموارنة الثلاثة المكلفين من البطريرك الماروني نصر الله بطرس صفير ومجلس المطارنة زيارة الأقطاب المسيحيين المتخاصمين وحثهم على وضع ميثاق شرف يؤسس لعلاقة سليمة بينهم. وأكثر ما لفت هذه الأوساط أن من انتقدوا المبادرة هم في مقدم الداعين إلى أن تؤدي بكركي دوراً أساسياً في عملية بلورة توافق مسيحي على اسم مرشح ماروني لرئاسة الجمهورية. لذلك تتساءل الأوساط المراقبة كيف يمكن الطلب إلى بكركي المبادرة في اتجاه موضوع شائك للغاية ولا تسهّل لها الأمور في مسائل أقل صعوبة مثل الاتفاق على ميثاق شرف؟
البطريرك صفير، ومجلس الأساقفة ومن بينهم المطارنة سمير مظلوم ويوسف بشارة وبولس مطر، مدركون جداً خطورة الواقع القائم. وما مبادرتهم الجارية وفق أسلوب «الخطوة خطوة»، كما يسمونها، إلا تعبير عن مدى تقديرهم لهذه الخطورة. مسيحيو فريق السلطة يأخذون عليها اهتمامها بالجزء الشكلي من المشكلة، ويدعون سيد بكركي ولجنة الأساقفة إلى مقاربة المشكلة برمتها ليصبح موضوع ميثاق الشرف تحصيلاً حاصلاً أو حتى لا داعي له. لكن البطريرك صفير بخبرته الطويلة في الشأن العام التي تجاوزت خمسين عاماً، يدرك أنه ليس من السهل النجاح حيث فشل الأمين العام لجامعة الدول العربية عمرو موسى ومبعوث الرئيس السوداني مصطفى عثمان إسماعيل اللذان حظيا بدعم عربي واسع. لذلك ارتأى أن يطلع بالشق المتعلق بميثاق الشرف بين الفرقاء المسيحيين دون غيره من القضايا التي تفصل بين الطرفين المتنازعين على الساحة اللبنانية، لأن لبكركي دوراً معنوياً على الأقل تجاه أبنائها.
وقد أوضح البطريرك صفير ومعاونوه أن العمل على ميثاق الشرف هو خطوة أولى تليها خطوات أخرى إذا حصل تجاوب من الفرقاء الذين جرى التوجه إليهم في المبادرة، لكن من دون تحديد طبيعة هذه الخطوات أو مضمونها. لذلك لا تستبعد الأوساط المراقبة القريبة من بكركي، أن يبادر سيد الصرح، إذا تم التوصل إلى التفاهم المطلوب، إلى مقاربة مواضيع شائكة مثل الاستحقاق الرئاسي أو الأزمة الحالية التي تعانيها البلاد. لكن، يبدو، حتى الآن، التفاهم على ميثاق الشرف أمراً دونه صعوبة لعدم رغبة مسيحيي الأكثرية في اعطاء غطاء مسيحي للعماد ميشال عون والوزير سليمان فرنجية بعدما أوغلا في التحالف مع «حزب الله» إلى حد أقلق الرأي العام المسيحي. وقد بات برأي مسيحيي الأكثرية من الممكن الانتقام خصوصاً من عون الذي هزمهم شر هزيمة في الانتخابات النيابية الأخيرة ونزع عنهم صفة تمثيل المسيحيين ووضعهم في قفص الاتهام، فلماذا إنقاذه من الورطة الشعبية التي يمر بها، والتهاون معه في وقت يمكن فيه إضعافه وجعله أكثر «عقلانية» واستعداداً للتنازل لدى مقاربة موضوع الاستحقاق الرئاسي المقبل؟
قد تكون مبررات مسيحيي فريق الأكثرية وخلفياتهم صالحة لظروف عادية لمعركة انتخابات رئاسة الجمهورية، حيث كل المناورات والأساليب مشروعة للفوز بها. غير أن الوضع القائم في لبنان ومنطقة الشرق الأوسط، إضافة إلى التوازنات في مجلس النواب، تضع المسيحيين في وضع صعب للغاية. فإذا ظل السياسيون المسيحيون منقسمين ولم يتمكنوا من التوافق على مرشح واحد لرئاسة الجمهورية متمتع بصفات تؤهله للقيام بدور الحكَم والموفِّق بين طرفي النزاع في لبنان، سيأتي موعد الاستحقاق الرئاسي ويحصل أحد أمرين: إما لا تجري انتخابات وتدخل البلاد في نفق مظلم وفق سيناريوهات بدأ تداولها مثل قيام حكومتين وما شابه، مع كل ما يمكن توقعه من تداعيات خطيرة، وإما، بحكم الضرورة وبغية تفادي الفوضى، تدخل المؤثرات الإقليمية بقوة على الخط اللبناني ويحصل توافق بين السعودية وإيران ومصر وسوريا على مرشح واحد يلتزمه الطرفان اللبنانيان المتنازعان دون أخذ الموقف المسيحي في الحساب، مع ما يعنيه ذلك من تفويت لفرصة تصحيح خلل المشاركة المسيحية في المؤسسات الدستورية الذي ينتظره المسيحيون من الاستحقاق المقبل.
ومن البديهي القول إن التفاهم بين القادة المسيحيين متعذر من دون دور فاعل لبكركي التي تستمد بالنهاية سلطتها المعنوية من استجابة الفرقاء المؤمنين بدورها. لهذا فإن خطوة وضع ميثاق الشرف مدخل إجباري ووحيد لفتح الباب أمام بكركي للقيام بدورها في الاستحقاق الرئاسي الذي لم يعد بعيداً.