الضنّية ــ عبد الكافي الصمد
لم تتغيّر عادة المزارعين في منطقة الضنية. فمع إطلالة كانون الأول، ووصولاً إلى نهاية كانون الثاني، يبدأ المزارعون بتهيئة أراضيهم الزراعية لوضع غِراس مثمرة جديدة فيها، بدلاً من الأشجار القديمة والهرمة التي يقتلعونها لاستخدامها لاحقاً في مجال التدفئة، أو لزرعها في أراضٍ جديدة تم استصلاحها.
وفي سبيل ذلك، يعمد المزارعون إلى حفر «جُوَرٍ» يقترب عمقها وعرضها من المتر، ويتركونها لأيام معرضة لأشعة الشمس والهواء والأمطار، ووضع كميات معينة من السماد الطبيعي فيها، بهدف اختمارها مع التربة، قبل أن يضعوا الغراس المختارة داخل هذه الحفر، عملاً بالمثل الشائع في المنطقة الذي يقول: «غرسة كانون الاوّل، أحسن من غرسة عمنوّل».
وتتنوع الغِراس التي يعمل المزارعون في الضنّية على زرعها في أراضيهم، بحسب الأصناف التي يقع الاختيار عليها، والتي تتلاءم مع طبيعة التربة والمكان التي ستغرس فيه، ومدى ارتفاعها عن سطح البحر، إضافة إلى ما يراه المزارعون من أنه الأفضل لناحية مردود الشجرة لاحقاً، فضلاً عن أسعار هذه الغراس التي تتفاوت بين ألفين وسبعة آلاف ليرة، وأحياناً عشرة آلاف.
ولهذه الغاية، تزدهر تجارة بيع وشراء الغراس في مثل هذه الأيام، وخصوصاً عند الذين يملكون مشاتل خاصة منتشرة في المنطقة، وتحديداً في المناطق الوسطى والساحلية من الضنّية، نظراً لحاجة هذه الغراس الى الدفء من اجل نموها بشكل افضل.
وفي موازاة ذلك، تنشط هذه الايام اعمال المشتل الزراعي في بلدة دير عمار الساحلية، العائد لوزارة الزراعة، لكونه مخصّصاً لإنتاج الشتول المثمرة، الى جانب المشتلين الزراعيين الواقعين في بلدة العبدة عند المدخل الجنوبي لمنطقة عكار، المخصص احدهما للغراس والشتول المثمرة، فيما أن الآخر مخصص للشتول والغراس الحرجية.
ويتّضح من خلال حركة إقبال المزارعين على مشتل دير عمار أنّ «شتول وغراس الحمضيات والزفير والزيتون والدراق والنكترين وغيرها، هي أكثر الأصناف طلباً، إضافة لأصناف أخرى ترعى وزارة الزراعة نشرها وتوزيعها على المزارعين في الشمال وبقية المناطق اللبنانية، حسب خطة تضعها عادة في هذا الإطار»، حسب ما أوضح مسؤولون في مصلحة وزارة الزراعة في الشمال.
غير أن ما يثير الانتباه أنّ قسماً لا يستهان به من المزارعين قد عزف عن زراعة غِراس جديدة من اللوز، بعد مرض أصاب أشجار اللوز منذ نحو أربع سنوات، وسبب موت ويباس مساحات كبيرة من أشجار اللوز في المناطق الساحلية، الأمر الذي دفع هؤلاء المزارعين إلى عدم التوسع في زراعة هذا الصنف، بعدما باءت المحاولات التي بذلت لمعالجة هذا المرض بالفشل.