راجانا حمية. فاتن الحاج
يفقد قرار رئاسة الجامعة اللبنانيّة القاضي
بمنع النشاطات السياسيّة «صدقيته» يوميّاً نظراً لاستنسابيّة تطبيقه في فروع الجامعة ووحداتها التي تخضع لمزاجيّة مدير كل فرع. لكن يبدو أنّ عدوى المنع بدأت تتسلّل شيئاً فشيئاً إلى الجامعات الخاصّة


  • ثلاث جامعات «تنفد» بانتخاباتها قبل احتدام التوتّر

  • تعمد الجامعات الخاصّة، وسط الأجواء السياسيّة المشحونة، إلى فرض «طوق محكم» على الحركة الطالبيّة عبر انتهاجها سلسلة قرارات تقيّد حريّة الطلّاب في التعبير عن أفكارهم السياسيّة. فبعد قرار رئيس الجامعة اللبنانية الدكتور زهير شكر منع النشاطات السياسيّة في العام الماضي، تتّجه بعض الجامعات الخاصّة إلى تبنّي قرار مماثل على الرغم من سماحها للطلّاب بإجراء انتخاباتهم.
    تعيش جامعة القديّس يوسف «USJ» خارج دائرة النشاطات السياسيّة، رغم الأجواء الساخنة التي شهدتها انتخابات الهيئة الطالبية الأخيرة والتي كشفت النقاب عن مدى خوض الطلّاب في غمار السياسة. غير أنّ قرار المنع أو «التطنيش» لم يصل حتّى الآن إلى الجامعة «وربّما لن يصل» ـــ بحسب رئيس الهيئة الطالبية في كلّية طب الأسنان، حرم العلوم الطبّية، بيار لحّود ـــ عازياً السبب إلى أنّ فروع الجامعة كافّة تشهد فترة امتحانات، تستمرّ حتّى أواخر الشهر الجاري. تليها فترة «نقاهة» حتى الثاني عشر من الشهر المقبل.
    وفي الجامعة الأميركية في بيروت، ينهي الطلاب الفصل الأول ويجرون امتحاناتهم في أواخر الشهر الجاري، ليستعيدوا نشاطاتهم اللاصفيّة مع بداية فصل الربيع في 5 شباط المقبل، عبر النوادي الطالبية التي تمثّل غطاءً شرعياً للسياسية منها. لم تصدر إدارة الجامعة قراراً واضحاً وصريحاً بمنع النشاطات السياسية، والدليل كما يقول مدير العلاقات العامة ابراهيم خوري «أننا سمحنا للطلاب بإجراء انتخاباتهم بحرية ومن دون أية قيودالنشاط مبرّر ما دام غير حزبي»، يوضح مندوب التيار الوطني الحر في الجامعة فؤاد الحويك الذي نفى أن تكون الإدارة قد وضعت شروطاً على الحركات والمحاضرات السياسية، فهي تمنع الشعارات الحزبية ليس إلا. وفيما يضع أنصار التيار «الفولارات الأورانج» في أي نشاط يقيمه «نادي الحرية» في الجامعة، لا يستطيعون توزيع البيانات الحزبية، كما سائر القوى، داخل الحرم، بما في ذلك البطاقة الطالبية التي وزعها التيار هذا العام في الجامعات. يتحدث الحويك عن احتواء النشاط السياسي، في ظل غياب الدور النقابي للقوى الحزبية في الجامعة. وفيما يشير الحويك إلى استنسابية المنع كتمرير الحفل الموسيقي «I LOVE LIFE» قبل الأعياد، يؤكد رئيس نادي التواصل محمد التنير (منظمة الشباب التقدمي) أنّ الحفل لا يعدو كونه نشاطاً ترفيهياً يهدف إلى «إنعاش» الجسم الطالبي، بعد الأجواء السياسية المتوترة التي تمر بها البلاد. ويلفت التنير إلى «أننا آثرنا هذا العام التركيز على النشاطات الثقافية والترفيهية دون الحلقات السياسية».
    ولا يختلف الأمر في الجامعة اللبنانيّة ـــ الأميركيّة التي تسعى إلى إلغاء مصطلح السياسة داخل أسوارها، مراهنةً في أسلوبها الجديد على «التواطؤ» مع طلّابها على تحييد الجامعة «من مستنقع السياسة والساسة الفاسد»، ويؤكّد مسؤول العلاقات العامّة والإعلام كريستيان أوسي أنّ الجامعة «حريصة على تغليب الصبغة الأكاديميّة على النشاط السياسي رغبة منها في تحييد الجامعة والطلّاب عن التجاذبات الحاصلة خارج الأسوار».
    يلقى قرار إدارة «LAU» ترحيباً لدى العديد من الطلّاب الذين يجدون في «التحييد» قراراً صائباً يجنّب الجامعة «معركة» قد تحدث في أيّة لحظة، فيما يجده البعض الآخر مجحفاً يخفي في طيّاته «تيّاراتٍ تعتمد في انتشارها على نشاطات مناصريها داخل الجامعات».
    أمّا في جامعة الحكمة، فتشكو بعض الأطراف السياسيّة من «قمع محكَم». فعلى الرغم من قرار الجامعة بمنع الانتخابات الطالبية والنشاطات السياسيّة منذ ثلاث سنوات، رأت هذه الأطراف أنّ هناك «استنسابية في تطبيق القرار، حيث يُسمح للبعض بتوزيع البيانات ويُقمع البعض الآخر في تنظيم الندوات على اعتبار أن المسؤولين عن النشاط ينتمون إلى هذا التيّار أو ذاك».
    هذا الطرح واجهته جامعة الحكمة باعترافها بالنشاط السياسي الوحيد الخاص باغتيال الوزير بيار الجميّل الذي أقامته منذ ثلاثة أسابيع الذي حصرته في إطار «الصلاة لراحة نفس تلميذها»، ورأى مسؤول العلاقات العامّة والإعلام جورج سعد أن قرار الجامعة بمنع النشاطات السياسيّة «بمثابة قرار طبيعي جداً يتّخذه صرح تعليمي لا خليّة أحزاب».
    في المقابل، تراهن الجامعة الأنطونية على وعي الطلاب لأي لون سياسي انتموا، فهم، بحسب الأمين العام للجامعة الأب فادي فاضل، يتمتعون بنضوج كبير ولا يسمحون لأنفسهم بأن يتحدّدوا بهويتهم السياسية. ويرى فاضل «أننا تحدينا الظروف السياسية وأجرينا الانتخابات، حفاظاً على حقوق الطلاب الديموقراطية». أما الطلاب الذين يسعون إلى تفعيل النشاطات السياسية عاماً بعد عام، فيشددون على أنّ التواصل بين القوى تعزّز بعد الانتخابات، على حد تعبير مندوب القوات في الجامعة رواد طنوس الذي نفى أن يكون التوتر السياسي الخارجي قد انسحب إلى الجامعة، فقد نظمنا عشاءً دعونا إليه كل الأطراف. ويوافقه مندوب التيار الوطني الحر يوسف عرجا الرأي، مشيراً إلى أنّ التيار سيقيم عشاءً مماثلاً. وعن العمل السياسي، يقول عرجا إنّ الانتخابات هي النشاط السياسي الوحيد في الجامعة.
    أمّا المعهد الأميركي الجامعي للعلوم والتكنولوجيا «AUST» فيبدو أكثر هدوءاً في تعاطيه مع النشاطات السياسيّة، إذ تفضّل إدارة المعهد التحرّك عكس الواقع وتفعيل دور النشاطات الثقافيّة والترفيهيّة والاجتماعية بدلاً من «افتعال المشاكل وخلق الحزازات الطائفيّة والمذهبيّة بين الطلّاب».
    لم يلغ المعهد النشاطات السياسيّة ولكنّه حاول معالجة الواقع بخلفيّة علميّة، ويشير مسؤول العلاقات العامّة والإعلام طوني أبي نجم إلى أنّ الإدارة تعتمد أسلوب «الحوار مع الأندية الطلّابية ومناقشة مسؤوليها في مضمون النشاط المقرّر عقده للوصول إلى حلّ يرضي الطرفين».
    تخطّى معهد الإدارة والكومبيوتر الجامعي «BCU» ـــ «بشهادة طلّابه» ـــ قرار المنع إلى قرارٍ إضافي حدّد بموجبه «إجراءات العقوبة» التي تبدأ بالتحذير الأوّلي وتنتهي بـ«الفصل». ويُجمع طلّاب المعهد على أنّ منع النشاطات السياسيّة يقيّد الحركة الطالبية وينسف حقّها في ممارسة نشاطاتها بديموقراطيّة»، ولا ينفون إمكان تمرير بعض النشاطات ولكن بعد «المرور بالأمن وإدارة الجامعة للحصول على الموافقة إن تمّت».
    ويحاول الطلّاب، خلال هذه الفترة، الاستعاضة عن النشاطات الممنوعة والأخرى المقيّدة بقرار الإدارة في حصر النقاشات داخل «الكافتيريا» التي تسمح لهم «بالتعبير عن آرائهم بحرّية».
    وفي هذا الإطار، يوضح مسؤول العلاقات العامة في المعهد الدكتور هادي الزين أنّ إدارة الجامعة توافقت مع مسؤولي القوى الطالبية على الحفاظ على حرية التعبير، ضمن التزام قوانين الجامعة. وفيما ينفي الزين أن تكون الجامعة قد شهدت أي ندوات سياسية، يشير إلى أنه سُمح للطلاب بالتفاعل مع الأحداث عبر رفع بعض الشعارات السياسية في ملعب الجامعة.
    من جهتها، تفرض الجامعة اللبنانية الدولية عدم تعاطي الطلاب بالشؤون السياسية بشكل مباشر، وإن كانت بعض النوادي تدل من أسمائها على طبيعة انتماء أعضائها السياسي. ويلفت المسؤول الإعلامي في الجامعة أيمن دحروج إلى أنّ الجامعة لجأت إلى تقليص النشاطات بما فيها الثقافية والترفيهية، لتخفيف حدة الاحتقان وحرصاً على المصلحة العامة. إلّا أنّ علي عماشة (اتحاد الشباب الديموقراطي) فيقول إنّ الجامعة سمحت لنا بتعليق بعض الدعوات للمشاركة في التظاهرات، موضحاً أنّ التعبير عن الرأي السياسي مسموح به شرط عدم العمل تحت اسم الحزب، أي نستطيع أن نقول: «خبز وعلم وحرية»، من دون ذكر المنظمة الطالبية.




    قرار إضافيّ في «التربية ـــ 1»

    يتّجه طلّاب كلّية التربية ـــ الفرع الأوّل في الجامعة اللبنانيّة إلى تصعيد تحرّكهم، احتجاجاً على قرار رئاسة الجامعة منع النشاطات السياسيّة. وقد حدّدوا الأربعاء المقبل يوماً حاسماً في مسيرة القرار التي افتتحها الدكتور زهير شكر في الرابع والعشرين من أيّار الماضي واستكملها منذ أيّام عميد الكلّية بالوكالة مازن الخطيب بمذكّرة منع شاملة.
    مذكّرة إضافيّة اتّخذت صفة «الادّعاء الشخصي» من الكلّية إلى طلّابها، «بحجّة» تحييد الكلّية عمّا يدور من «مناكفات في الخارج» وحفاظاً على «بناتها».
    لم تفلح حجج الكلّية في تحييد الطلّاب عن مطلبهم بإلغاء القرار ومعاودة النشاط السياسي والثقافي، إضافة إلى «إعادة الاعتبار إلى الطلّاب وحقّهم في ممارسة نشاطاتهم بديموقراطيّة»، ولعلّ «المتضرّر الأكبر» من قرار كهذا هو مجلس طلّاب الفرع الذي رأى «أنّ القرار اتّخذ لمواجهتنا والحدّ من صلاحياتنا»، على حد تعبير رئيس المجلس محمّد ترمس.
    وإزاء هذا الواقع، يجد ترمس نفسه ملزماً مواجهة «العميد» واتّخاذ القرارات التصعيديّة اللازمة لمنع المذكّرة من «سريان مفعولها» بين الطلّاب، وخصوصاً أنّ «موادها حصرت إمكان قيام النشاطات بموافقة الإدارة الخطّية».
    وإذ يؤكّد ترمس «قرارات» تعطيل الدروس والاعتصام أمام باحة الكلّية، فإنّه يترك مجالاً لقرارات أخرى يتوقّع أن يتّخذها رؤساء مجالس فروع الجامعة اللبنانية الأولى والثانية اليوم في اجتماعهم الاستثنائي في خيمة الأنشطة الشبابية ـــ ساحة رياض الصلح للردّ على «المذكّرات السياسيّة».
    يواجه مدير الفرع الأوّل بالتكليف الدكتور أديب خطّار «حملة» مجلس طلّاب الفرع والطلاب بجملة من التبريرات التي تجعل من قرار منع النشاط السياسي شأناً طبيعياً كون «الداعي الأوّل» إلى تطبيقه هم «أهالي الطالبات باعتبار أنّ كلّية التربية هي كلّية بنات تضم 800 طالبة مقابل عشرة طلّاب».
    والسبب الثاني للمنع، حسب ما يقول خطّار، هو أنّ «الطلّاب لم يتركوا فسحة للدراسة، مستغلّين دواماتهم في التركيز على النشاطات السياسيّة»، مقترحاًً جملة من الحلول تسمح لهم بممارسة نشاطهم السياسي خارج الجامعة أو مشاورة «المسؤولين عنهم من سياسيين وقادة حزبيّين لحضّهم على العودة إلى حرم الدراسة».




    «الإعلام ــ 2»: المدير يمنع تحرّك «التيّار»

    تحوّلت أمس محاضرة طلاب التيار الوطني الحر في كلية الإعلام الفرع الثاني في الجامعة اللبنانية عن حرية الإعلام تضامناً مع إعلاميي تلفزيون الجديد إلى اعتصام خارج أسوار الكلية. وكان مدير الفرع الدكتور أنطوان متى قد منع الطلاب من تنظيم تحركهم في الداخل، التزاماً بقرار رئاسة الجامعة القاضي بمنع النشاط السياسي والصادر في 24 أيار الماضي. وأوضح متى أنّه طلب من أعضاء الفريق الذي ينظم النشاط أن يستحصلوا على إذن مسبّق من رئيس الجامعة، «لكنّهم رفضوا «بحجة» أنّ التحرك إعلامي وليس سياسياً». إلاّ أنّ متى يؤكد أنّ النشاط العلمي والثقافي يتطلب أيضاً إذناً مسبقاً من الرئيس ما دام المنظِّم فريقاً سياسياً. وفي شأن حديث الطلاب عن التمييز بينهم وبين طلاب الفرع الأول الذين نظّموا نشاطاً مماثلاً، قبل يوم واحد من نشاطهم، يرى متى أنّ الطلاب لم يلتفتوا إلى صاحب الدعوة في الفرع الأول الذي كان إدارة الكلية وأساتذتها وطلابها الذين قد يكونون حصلوا على الإذن المسبق. ويقول: «ألتزم قرار رؤسائي لأنني أتحمل المسؤولية في حال حدوث خلل ما، لذا أبلغت الأجهزة الأمنية بإقفال قاعة المحاضرات وعدم السماح للطلاب بالدخول إليها».
    أما طلاب «التيّار» فتهجّموا في اعتصامهم على الطريقة «القمعية والكيدية» التي استخدمها متى في التعاطي مع نشاطهم، وخصوصاً أنّ الفرع الأول، كما يقول مندوب التيار السابق في الكلية هشام الهاشم، ليس في الصين بل في الجامعة، «كما أننا لم ننظم حتى الآن أي نشاط تضامني إعلامي إنساني مع زملائنا». وكانت كلمات لمسؤول الجامعة اللبنانية في لجنة الشباب والشؤون الطالبية في التيار روك مهنا ومندوب التيار في الكلية إيلي رزق الله، أعلنت التضامن مع قضية فراس حاطوم وعبد خياط ومحمد بربر.
    من جهتها، تمثلت الهيئة الطلابية في الاعتصام بمشاركة رمزية ضمت رئيس الهيئة زاهي نوح ونائب الرئيس مروان جرجورة. ويوضح نوح «أننا لم نتبلّغ بالنشاط كهيئة، ومع ذلك شاركنا للتأكيد على موقفنا الرافض لاعتقال الزملاء وإيماننا بحرية التعبير لجميع القوى، بعدما سجلنا اعتراضنا على قرار منع النشاطات السياسية وتأجيل الانتخابات الطالبية».