strong>يبدو أن عمليات الخطف في لبنان تشهد تحوّلاً «جنسياً» من نوع آخر، إذ إن حالات الخطف التي تقوم بها النساء تنشط بشكل ملحوظ، ولا سيما في سبيل استرداد أولادهنّ من آبائهم. فهل يصبح الخطف في هذا الإطار سمة نسائية؟


لم تكد فصول عملية «الكوموندوس» النيوزيلندي ــ الأوسترالي تنتهي، بقيادة الأم الكندية ــ الأوسترالية لخطف ابنتيها من حضانة أبيهما، حتى أعقبتها منذ فترة عملية خطف أمّ لبنانية لبناتها الثلاث من أبيهم الأردني الأصل. فقد استطاعت الأم «م. س.» أن تخدع زوجها «ر. ق.» وتدسّ له المخدّر في وجبة الغداء، بالاشتراك مع أخيها. فعندما لم تستطع الزوجة إقناع زوجها بالاستغناء عن بناتها الثلاث لمصلحتها، لجأت إلى حيلة دس المخدر في الطعام كي يدخل في سبات عميق، فتنفّذ مخططها الهادف إلى خطف البنات الثلاث وتخبئتهنّ في مكان مجهول.
البنات المخطوفات، اللواتي تبلغ أكبرهن أحد عشر ربيعاً، كن ضحية الخلافات الزوجية التي كانت تنشب بين الزوج والزوجة في بلد الاغتراب، السعودية. وكحلّ مبدئي لهذه المشكلة، غادرت الزوجة بتاريخ 19 حزيران الماضي السعودية إلى لبنان برفقة بناتها لتمضية إجازة ولأخذ قسط من الراحة، فلحق بها الزوج بعد 18 يوماً بغية اصطحابها وبناتهما الى السعودية مجدداً. لكنه إثر وصوله فوجئ بموقف أهل زوجته الرافض لعودتها الى البيت الزوجي. وكانت الزوجة الأم، لدى علمها بحضوره، قد غادرت منزل أهلها واصطحبت البنات الثلاث لتتوارى بهن، فلم يستطع رؤيتهن.
هذا الأمر دفع الأب المفاجأ إلى تقديم دعوى قضائية ضد أهل الزوجة بجرم إخفاء الأخيرة وبناته، لكن وفي سياق التحقيق في هذه الدعوى تدخل سعاة الخير وجرى التوافق على أن يقيم الزوجان مع بناتهما في أحد الفنادق لمدة ثلاثة أيام بغية التوصل الى حل الخلافات. لم يتأخر «سعي الخير» كي يدخل حيز التنفيذ، إذ حلت العائلة نزيلة أحد الفنادق البعيدة عن أهل الزوجة، عسى أن يفلح الزوج في إقناع شريكة حياته بالعودة الى بيتها في السعودية. لكن نقطة الانعطاف السوداء في حياة الأب المخدوع، كانت في اليوم التالي للإقامة، عندما فوجئ بشقيق زوجته يتجول بسيارته في الشوارع المحيطة بالفندق، فدعاه الى تناول الغداء على مائدته لترطيب الأجواء وطيّ الخلاف، وقد لبى الأخير الدعوة وجلس الجميع الى طاولة الطعام. بعد أن أنهى الزوج الأردني غداءه، شعر بدوار وغثيان شديدين، ثم دخل بعدها في نوم عميق، ليستفيق بعد ثلاث ساعات ولا يجد أحداً في الغرفة. فاكتشف أن زوجته بمساعدة شقيقها قد خطفت بناته الثلاث وتوارت بهنّ عن الأنظار، فضلاً عن أنها سرقت من جيبه 650 دولاراً أميركياً.
على الأثر، اتصل الزوج الأردني بوكيله القانوني الذي أرشده بدوره الى وجوب تقديم شكوى الى السلطات المختصة، ثم انتقل الى مستشفى الجامعة الأميركية حيث أجرى تحاليل مخبرية، التي ظهر بنتيجتها وجود مادة مخدرة ومادة الفاليوم المنوّمة، إضافة الى مواد تسبب الإحباط والإرهاق.
وفي سياق الدعوى المقامة من الزوج، أصدر قاضي التحقيق في بيروت قراراً ظنياً في هذه القضية، طالباً عقوبة السجن من ثلاث سنوات إلى 15 سنة بحق الزوجة، وأحال الملف على محكمة جنايات بيروت لمحاكمتها.
تجدر الإشارة إلى أن البنات الثلاث قد خطفن وهرّبن الى مكان لا يزال مجهولاً. ويشهد لبنان تكراراً حالات اختطاف أولاد من قبل أمهاتهن بسبب المشاكل الزوجية، ما يضطر أولئك النسوة إلى خوض غمار تجارب جديدة في عالمهنّ، بعد أن كانت مقتصرة على الرجال لكونها تحتاج إلى جهد مضن في تنفيذها. لكن ذلك لا يمنع لفت النظر إلى أن القانون في لبنان يشهد جدلاً حول حقوق المرأة في رعاية الأولاد.
وإلى حين إلقاء القبض على الأم، يبقى السؤالان الآتيان: هل تعود الفتيات الثلاث وينعمن بحياة هادئة؟ هل أصبح لبنان مسرحاً لزجّ الطفولة بكافة الإشكالات على اختلاف تنوعّها؟
(الأخبار)