عمر نشابة
من منّا لا يحترم «حقوق الإنسان»؟ أو بالأحرى، من منّا لا يدّعي احترام «حقوق الإنسان»؟ ويكثر الحديث عنها اليوم رجال الدين والسياسة والثقافة وحتى السلطة والأمن وكأنها مقدّسة ومنزلة من عند ربّ العالمين. هل يعرف هؤلاء معنى «حقوق الانسان» في عصر العولمة والسيطرة الغربية على مفهوم «الحقوق»؟
إحدى أهمّ الإشكاليات في ثقافات الحضارات ترتكز على العلاقة بالآخر، الغريب، العدو، الذي يكمن خارج أفقنا الثقافي. واستعملت شعوب مختلفة عبارة «بربر» عبر الأجيال لوصف الآخر. وحملت تلك العبارة معنى سلبياً (غير معناها المستخدم للتعريف بقبائل شمال إفريقيا العريقة)، إذ القصد منها «المتوحش» أو غير الحضاري.
ومنذ بدأت الأنظمة الغربية توسّعها الامبريالي اعتبر الأوروبيون ثقافات الشعوب التي استعمروها منحطّة وغير صالحة للمشابهة أو المقارنة بالثقافات الغربية التي كانوا وما زالوا يعتبرونها متفوقة الى حدّ بعيد. تلك الرؤية العنصرية للثقافات التي عبّرت عنها القوى الإمبريالية في مختلف الأشكال والسياسات الخارجية عبر قرون من الاستعمار والاستعباد، لا تزال تتحكم بجزء كبير من الفكر السياسي والاقتصادي والثقافي الغربي الذي يتبنّاه أكثر المثقفين والسياسيين والاقتصاديين العرب واللبنانيين.
إن الدفاع عن عالمية أو عولمة حقوق الإنسان يتعرّض لخطر الانصياع وراء الرؤية السلبية نفسها التي يتميز بها الكثير من السياسيين الغربيين. فالعديد من النقاط الأساسية في الإعلان العالمي لحقوق الانسان تنتمي أصلاً إلى ثقافات غربية أو بالأخصّ الثقافة الليبرالية البروتستانتية الغربية. ولا يعني ذلك أن تلك المبادىء خبيثة وتدميرية بل على العكس، فالعديد من النقاط التي تتضمّنها تحمل نية بنّاءة للعيش الكريم. لكن المشكلة تكمن في اعتبار هذه المبادىء أساساً للحقوق البشرية تُفرض غالباً على الثقافات الأخرى من دون احترام مبادئ تلك الثقافات وخصوصياتها.
إن الإعلان العالمي لحقوق الانسان يقدّم مبادىء للحقوق لا تتضمّن بل تتعارض أحياناً مع العديد من مبادىء الثقافات الشرقية. فمثلاً يعتبر الإعلان العالمي البشر متفوّقين على جميع الكائنات والعوامل الطبيعية. بينما تعتبر ثقافات هندية (وهي تضمّ شعوباً يفوق عديدها سكان أميركا وأوروبا والشرق العربي مجتمعين) التركيز على حقوق البشر من دون ذكر الكائنات الأخرى تعدياً على الحقوق الكونية (الكوزمية) والهارمونية العالمية التي ينتمي إليها الإنسان ولا يحكمها. ويختلف المفهوم الهندي عن المفهوم الليبرالي الغربي في ما يتعلّق بالحقوق الانسانية. فتعتبر الثقافة الهندية مسألة الفرد لا تتعلّق بإعلان حقوقه الانسانية بل بالبحث ومعرفة مكانته في «الكوزموس» خلال «مشوار الحياة»...