ابراهيم الأمين
ليس اكثر قساوة من الكلام الخاطئ، الا الاقتناع به واعتباره حقيقة تُبنى على اساسها السياسات. وهذه هي حال فريق السلطة بعد كل ما مر به لبنان حتى الآن، حيث تعتقد قوى 14 آذار أن المعارضة في ازمة، وأن خلافات كبيرة تتحكم بفريقها وأنها لا تعرف ماذا تفعل، وأنه لم يعد بمقدورها عمل أي شيء. ثم إن حسابات قيادة هذه القوى باتت اقرب الى الطريقة الاميركية في ادارة الشؤون العامة.
غير أن حسابات القوى التي تقف خلف فريق السلطة تأخذ المنحى المختلف، لا على مستوى القراءة بل على مستوى التعامل مع ملف لبنان الساخن. ومع ذلك فإن الولايات المتحدة قررت وكما جرت العادة، أن تترك امر الملف اللبناني الى تركيبة قيادية من الاردن ومصر والسعودية برئاسة الامير بندر بن سلطان. ويتولى الامر قادة الامن السياسي في هذه الدول، بعدما اضيف اليهم هذه المرة مسؤول الاستخبارات في دولة الامارات العربية المتحدة التي يبدو أنها تتورط، أكثر مما كان كثيرون يتوقعون، في وحول السياسة الاميركية. وحيث يبدو أن فيها فريقاً مشتركاً يؤدي فيه وزير الخارجية عبد الله بن زايد دوراً رئيسياً الى جانب فريق الاستخبارات الذي يشرف ضباط من الاستخبارات الاردنية والاميركية على تدريبها وإدارة امورها المختلفة.
وحسب مصادر مطلعة، فإن الخلية الامنية ــ السياسية التي تقود الملف هي التي طلبت واستجيب طلبها بإبعاد الشخصيات التي عُرفت عادة بمواقف اكثر واقعية، وهو الامر الظاهر في السعودية ومصر على وجه الخصوص، حيث لم يعد هناك حضور جدي لوزارتي الخارجية في البلدين، مثلما في الجامعة العربية التي جرى تهميش دورها الا متى تطابق مع وجهة الفريق الامني ــ السياسي.
ويبدو من المتابعات الاخيرة أن المقترح الذي قدمه بندر بن سلطان الى المسؤول الايراني على لاريجاني بشأن التوجه الى بيروت لإقناع فريق المعارضة بقبول صيغة 19 + 10+1، لم يسلك طريقاً طويلاً حتى وصل الى حائط مسدود. وتبين أن هناك خللاً كبيراً في المتابعة الدبلوماسية لهذا الأمر، حيث عُلم أنّ ما نسَبه السعوديون الى المسؤول الايراني من موافقة على الأمر لم يكن دقيقاً إطلاقاً، الأمر الذي اضطر قوى المعارضة الى سؤال ايران عن حقيقة الموقف فجاءها تأكيد بأن لاريجاني ابلغ السعوديين أن النتائج المعروفة عن المحاولات السابقة دلت على عدم وجود تغيير جدي في حسابات فريق السلطة، وأنه يصعب توقّع أن تمارس ايران ضغطاً سياسياً على اصدقاء او حلفاء لها في لبنان، وأنه لا يمكن رهن الحل بموضوع واحد هو باريس ــ 3 برغم اهميته، وأن المطلوب بات معروفاً وهو توافق لبناني داخلي يتيح المجال امام مساع اضافية لتثبيت اي تفاهم وتوفير ما يستلزم ذلك من دعم خارجي.
على أن الامور كانت في بيروت تسير بطريقة مختلفة. إذ إن قوى المعارضة وجدت أنها امام خيار من اثنين: إما السير مجدّداً في لعبة تضييع الوقت مثلما حصل يوم جاء الامين العام للجامعة العربية عمرو موسى إلى بيروت وأمضى فيها اسابيع يبحث في مبادرات انتهت إلى ما يريده فريق السلطة. وإما السير مباشرة نحو الخطوات التي تعكس واقع الأزمة الداخلية. وترى المعارضة أن المرحلة التي مرت سابقاً، وفّرت مجموعة من النتائج الاساسية التي تتعلق بثبات موقفها من جهة، وانكشاف فريق السلطة داخلياً مقابل اتكالها حصراً على دعم خارجي. وأن إمكان إشعال الفتنة الداخلية وفق حسابات مذهبية برغم كل التوتر، ليس في الدرجة التي كان عليه قبل نحو شهر ونصف. وأن التفاعل الذي جرى بين قوى المعارضة طيلة الفترة السابقة اكسبها خبرة على اكثر من صعيد، وأظهر أن قواها الشعبية لا تزال متماسكة وهناك إمكانية جدية للمضي نحو برامج اكثر عملية، وأن الجمهور متطلب اكثر مما تعتقد قيادته. وتتحدث قوى المعارضة عن معطيات لديها بشأن أوضاع مستجدة في جانب فريق السلطة، وهناك أزمة حقيقة في إنتاج خطة سياسية بديلة، حيث العناوين الكبيرة التي يعمل على تعبئة الجمهور في ظلها امام مآزق جديدة، ولا سيما ملف التحقيق في جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري وملف المحكمة الدولية.
لكن المعارضة تدرك أيضاً، أن هناك مشكلة أخرى تتصل بأن فريق السلطة يريد استثمار الدعم الخارجي السياسي أو المفترض من خلال باريس ــ3 بطريقة تعطّل إمكان التوصل إلى حلول جدية. وهو ما دفعها إلى اتخاذ قرار حاسم قبل يومين يقضي بفتح الباب أمام مرحلة جديدة من التحرك الشعبي والذي يقوم على فكرة الإضرابات العامة والتظاهرات التي سوف تتنقل بين منطقة وأخرى. وهو التحرك الذي سيصدر اليوم بيان بشأنه ويحدد الثلاثاء المقبل موعداً له، وسيَفتح الباب امام مواجهات متنوعة مع فريق السلطة، بينها ما هو قيد الدرس مع الرئيس اميل لحود بشأن الخطوات الدستورية الواجب اتخاذها في المرحلة المقبلة، والتي يفترض ان تكون محل مناقشة بين رئاستي الجمهورية والمجلس النيابي بعدما أبلغ لحود قوى المعارضة أن الفريق القانوني والدستوري المعاون له لا يجد مناسباً إصدار مرسوم إقالة الحكومة الحالية، لأنه ليس في الأفق ما يقود إلى تأليف حكومة جديدة سريعاً. لكن لحود قتح الباب امام مخارج ذات طابع دستوري من نوع جديد. الأمر الذي يعني أن السلطة مقبلة على مواجهة استحقاق من النوع غير المنتظر، برغم أن قواها الرئيسية تناقش منذ مدة احتمال النزول الى الشارع، وهو أمر يُحثّ عليه وليد جنبلاط وسمير جعجع برغم أنهما يريدان حصر المواجهة في بيروت وأن تأخذ طابع المواجهة السنية ــ الشيعية. الأمر الذي يناقشه تيار «المستقبل» بحذر شديد لأسباب مختلفة، أهمها أن القدرة على التعبئة بقصد التوتر ليست بالدرجة التي يظنها جنبلاط الذي يبدي خشية كبيرة من اندلاع مواجهة عنيفة في مناطق الشوف وعاليه مع خصومه من اصحاب النفوذ التقليدي وسط الدروز.
لكن هناك من هو خارج كل هذا العالم، وهو رئيس الحكومة فؤاد السنيورة الذي لم يعد يعرف كيف يحيط بهذه العاطفة العربية والدولية المحيطة به. لكن تأثره بها محصور الآن بما يأتيه من الرئيس الاميركي جورج بوش. حتى بات يرفع إصبعه الى اعلى ويقول: إن الله يريد مني القيام بكل شيء لأجل إنقاذ لبنان، وهو يريد مني حماية أهل لبنان واقتصاد لبنان، وهو إلى جانبي وأنا أصلّي لأجل أن يعيد الضالّين عن ضلالهم.