strong>أبصر المعهد القضائي النور في لبنان قبل 50 عاماً، فكان محط إعجاب الفرنسيين وقبلة اهل القانون العرب. بعد هذه العقود، وبدل أن يتطور هذا الصرح، تآكلت مساحته وأصبح موزعاً على ثلاث غرف بعدما انتُزعت اروقته بذرائع إدارية واهية
يعدّ معهد الدروس القضائية في لبنان الاقدم بين أقرانه من المعاهد في الدول العربية. هذا المعهد الذي أنشئ بموجب مشروع قانون منفذ بالمرسوم الرقم 7855 تاريخ 16/10/1961 كان محط اهتمام اهل القانون وموئلهم. وتعلم فيه وتخرج العشرات من القضاة العرب الذين برعوا في بلادهم بفضل ما نهلوا من علومه الواسعة.
وعلى الصعيد اللبناني فإن المعهد القضائي ذو تاريخ عريق، إذ تخرج منه مئات القضاة اللبنانيين. فمنذ عام 1964 وحتى تاريخه تخرجت من رحابه 26 دورة في القضاء العدلي وأربع دورات في القضاء الاداري (مجلس شورى الدولة) وأربع دورات في القضاء المالي (ديوان المحاسبة).
الا أن المؤسف والمحزن هو أن هذا المعهد القديم لا يزال على قدمه. فالاهمال يضربه من كل حدب وصوب. ووصل الحد الى حرمانه من الادارة البشرية عن سابق تصور وتصميم. فرئيسه، القاضي شبيب مقلد، أحيل على التقاعد في الصيف الماضي ولم تسمح الخلافات السياسية بتعيين بديل منه. فتسلم مسؤولية الرئيس مديره القاضي بشارة متى الذي يشغل منصب رئيس هيئة القضايا في وزارة العدل. إلا أن الاخير سيترك القضاء في 25 آذار الى التقاعد، مخلفاً وراءه فراغاً في المعهد وفي هيئة القضاء التي تفض عشرات الآلاف من الدعاوى المقامة من الدولة وعليها.
ولعل ما يزيد الاسى لدى المراجع القضائية، أن معهد الدروس القضائية بوضعه الحالي لا يشبه معاهد التعليم القضائي بل حتى المدارس الابتدائية في اي قرية نائية. فهذا المعهد الذي يقع في الطبقة الاولى من مبنى وزارة العدل، يتألف من ثلاث غرف فقط هي قاعة التدريس ومكتب رئيسه والسكرتاريا. اما مكتبته فأخذت من بضعة امتار من الممر فيما المعهد القضائي في دولة اليمن والذي انشئ بعد سنوات طويلة من إنشاء المعهد اللبناني، هو اكبر واضخم من مبنى الجامعة الاميركية في بيروت بحسب وصف قاضٍ لبناني كبير بدا متألماً لما آل اليه وضع هذا المعهد.
لكن الامر الذي لا يمكن نكرانه هو أن معهد الدروس القضائية في لبنان يمد القضاء بقضاة مزودين بالعلم والثقافة والمعرفة القانونية بفضل مستوى التعليم الذي يقدمه أساتذته والقيمون عليه، بدءاً من مباراة الدخول المشددة، مروراً بمراحل التدريس الثلاث وصولاً الى التدرج ومن ثم التخرج، واعتماده سياسة تدريس معمقة في القانون واللغات والادارة وغيرها.
يوكل الى معهد الدروس القضائية اختيار القضاة وتدريسهم وتأهيلهم وتدريبهم لدى المحاكم، إضافة الى تأهيل المساعدين القضائيين والخبراء وكتّاب العدل ومراقبي الصلح الاحتياطي الذين يندرج عملهم في صلب العمل القضائي. الا أن وضع هذا المرفق الاساسي لا يسمح له بممارسة هذه المهمات باستثناء تدريس القضاة المتدرجين نظراً لكون جناحه لا يتعدى الغرف الثلاث، ولعدم توفر الهيكلية التنظيمية والجهاز الاداري والبشري وافتقاده التجهيزات المطلوبة.
وبحسب رأي المعنيين بشؤون المعهد منذ عقود، فإن الاخير يحتاج الى أمور اساسية ليلحق بركب المعاهد المهمة الموجودة في العديد من الدولة العربية والاجنبية. وأهم هذه الامور هو تأمين مبنى خاص بالمعهد، وتزويده الجهاز البشري الكافي من القضاة والمساعدين لرئيس المعهد ومدير الدروس ومن الموظفين الاداريين ذوي الخبرة، ثم رفد هذا المعهد بالتجهيزات المكتبية المطلوبة.
ويؤكد المعنيون أن جهوداً سبق أن بذلها وزير العدل السابق بهيج طبارة افضت الى اختيار مبنى كبير تابع للدولة في محلة الاشرفية لإعادة ترميمه ليخصص لمعهد القضاء ومجلس شورى الدولة. الا أن البحث في هذه المسألة وضع جانباً بعد أن ترك طبارة وزارة العدل في خريف عام 2004. وأوضح المعنيون أن الوضع الحالي للمعهد يبعث على القلق اذا ما شغر منصب مديره في 25 آذار المقبل، لأن ذلك يعني غياب الادارة عنه مع ما يترتب من آثار سلبية خصوصاً على المسار التعليمي لدورتين من القضاة المتدرجين الذين ما زالوا يتلقون علومهم فيه.
(الأخبار)