طارق ترشيشي
أذا أراد اللبنانيون أن يعرفوا ما يجري الآن بين السلطة والمعارضة فعليهم أن يعرفوا ما يجري من مشاورات واتصالات بين الرياض وطهران والقاهرة ودمشق، وبالتحديد بين الرياض وطهران، والمرجّح أن تتبلور نتائجها في وقت ليس ببعيد بما يبعث على التفاؤل بإمكان التوصل الى تسوية من خلال المبادرة العربية أو غيرها.
ويقول قطب سياسي إن هناك تسوية متأخرة، لكن الى أن تتبلور ستحصل تحركات كثيرة، إذ إنّه للوصول اليها هناك «عُدة شغل» لا يستطيع الطرفان المتنازعان التوقف عن استعمالها وهي كالدراجة الهوائية إذا توقف سائقها عن قيادتها تهوي به يميناً أو يساراً، لذا فإنه ملزم الاستمرار في القيادة حتّى يصل الى المكان الذي يقصده كي لا تقع. لذلك فإن المعارضة صاحبة المطالب ستستمر في تحريك الأزمة حتّى تصل الى تحقيق هذه المطالب. لكن في الوقت نفسه، ينبغي التوقف ملياً عند مضمون الحوار التلفزيوني الأخير للأمين العام لـ«حزب الله» السيد حسن نصر الله الذي تمسك فيه بالضوابط السلمية والحضارية لتحرك المعارضة، وكلام نائب الأمين العام للحزب الشيخ نعيم قاسم من أن «هدفنا هو فتح أفق لا الحسم»، وكلام رئيس مجلس النواب نبيه بري الذي قرع فيه ناقوس الخطر إن لم تتم تسوية الأزمة الراهنة. هذه المواقف تؤكد بوضوح أن أطراف المعارضة سيتحركون تحت هذا السقف للوصول الى حكومة الوحدة الوطنية.
ما هي معالم التسوية المتأخرة وهل هي على قاعدة المبادرة العربية أم على أساس أفكار جديدة؟.
يجيب القطب نفسه إن الأنظار ينبغي أن تتركز على دمشق، وتحديداً على زيارة رئيس مجلس الأمن القومي الإيراني علي لاريجاني إليها أمس، بعدما زار الرياض قبل أيام واجتمع بالعاهل السعودي الملك عبد الله بن عبد العزيز.
وتفيد معلومات في هذا المجال أن وزراء دول الخليج العربية الذي اجتمعوا بوزيرة الخارجية الأميركية كوندوليزا رايس في الكويت أخيراً أبلغوها أنهم يؤيدون الاستراتيجية الأميركية الجديدة في العراق، «لكننا غير مقتنعين بأنها ناجحة ومع ذلك سنعلن تأييدنا لها مسايرة لكم».
ويضيف القطب إن كل ما يجري الآن في لبنان وفلسطين والعراق يعكس الصراع الأميركي ـــ الأميركي الدائر في واشنطن. لكنه يلفت الى أن دمشق استقبلت في أسبوع واحد كلاً من الرئيس العراقي جلال الطالباني والرئيس الفلسطيني محمود عباس ثم لاريجاني، ما أظهر أنها ما زالت مركز استقطاب للقضايا الرئيسية، فمثلما يُقيم فيها قادة حركتي «حماس» و«الجهاد» الفلسطينيتين، فإنها في الوقت نفسه قادرة على استقبال عباس وتأمين حصول حوار بينه وبينهما على أرضها، وكذلك هي قادرة على استقبال الطالباني، فيما موقفها يدعو الى إنهاء الاحتلال الأميركي للعراق. أما في شأن «العقدة اللبنانية» فإن الجانب السوري يقول: «صحيح أن رئيس الحكومة اللبنانية فؤاد السنيورة لا يزور دمشق، لكن قسماً كبيراً من اللبنانيين يعترض على سياسته التي لا تمثل الآن في لبنان شيئاً كبيراً»، من هنا فإن موقف دمشق في هذا الوضع إنما يقوى.
ويعتقد القطب نفسه أن الجانب المصري «لا يرى مصلحة له الآن في معالجة الأزمة القائمة بين سوريا والسعودية»، لذا يتدخل الجانب الإيراني الذي يبدو أن له مصلحة بحصول تفاهم سوري ـــ سعودي. فكما كانت سوريا في ما مضى تؤدّي دوراً توفيقياً بين إيران والسعودية وبقية دول الخليج، ها هي إيران تؤدّي هذا الدور التوفيقي بين سوريا والسعودية وغيرها من الدول الخليجية لأن عودة العلاقة الى طبيعتها بين دمشق والرياض من شأنها أن تخفف من وطأة الضغوط الإقليمية والدولية التي تتعرض لها طهران.
لذا فإن كل هذه التطورات من شأنها أن تنعكس إيجاباً على الوضع اللبناني، فالمناخ الآن رغم التصعيد المتبادل بين المعارضة وفريق السلطة هو مناخ تسوية، لكن الإجراءات التي توصل اليها لا تزال متأخرة. والمرجح أن تتبلور بعد انتهاء أعمال مؤتمر باريس ـــ 3 والمطلوب هو الانتظار، لأن السلطة تريد أن تدخل الى التسوية وفي يدها ورقة نتائج باريس ـــ 3 وهي دعم عربي ودولي وإمكانات مادية مما يعزّز موقعها التفاوضي، وفي المقابل تدخل المعارضة الى المفاوضات وفي يدها تحركها في الشارع والاعتراض على الورقة الإصلاحية.
الأكثرية تراهن على دعم باريس ـــ 3 والمعارضة تراهن على «تنفيس» الورقة الإصلاحية. من هنا ستنطلق المفاوضات للوصول الى التسوية العتيدة.