عرفات حجازي
اعتباراً من نهار الغد يدخل لبنان مرحلة المفاجآت المفتوحة على عدة احتمالات، فإما مواصلة التصعيد ورفع وتيرة الضغوط لاستدراج تدخلات عربية وإقليمية من أجل فرض تسوية مقبولة لا تشعر طرفاً بأنه مهزوم، وإما أن يفلت الوضع من السيطرة ليطاح بالضوابط والخطوط الحمر التي وضعها أركان المعارضة لتحركهم في الشارع إذا حصلت مواجهات واحتكاكات غير محسوبة مع القوى الأمنية، خصوصاً في ضوء ما سُرّب عن عزم المتظاهرين على قطع الطرق وإشعال الإطارات ومنع الموظفين من الوصول الى أعمالهم.
وفي تقدير أوساط مراقبة أنه بات من الصعب على المعارضة ابقاءتبقي تحركها في إطار الاعتصامات والتقوقع داخل الخيم في الوسط التجاري من دون ان تتمكن من إحداث أي تغيير أو خرق في الجدار السياسي المسدود، وبالتالي وصلت المعارضة الى قناعة بأنه لا بد من جراحات موجعة لإنهاء هذا الوضع الشاذ وإخراجه من وضعية المراوحة القاتلة.
واذا كانت المعارضة رفعت سقف مطالبها الذي لم يعد محصوراً بقيام حكومة وحدة وطنية يتوافر فيها الثلث الضامن، بل ذهبت أبعد من ذلك باعتمادها أولويات جديدة تقوم أساساً على إجراء انتخابات نيابية مبكرة، فإن الفريق الأكثري وجد في هذا الانعطاف السياسي انقلاباً على الجهود التي باشرها أخيراً كل من السفيرين السعودي عبد العزيز خوجة والايراني محمد شيباني، بعيداً من الأضواء بهدف إيجاد مخرج للأزمة على قاعدة التوازن والتلازم بين إنشاء المحكمة ذات الطابع الدولي وقيام حكومة الوحدة الوطنية. ولفت هذا الفريق إلى ان الحكومة أبدت موافقتها على درس ومناقشة الملاحظات والمقترحات التي ستقدمها المعارضة بخصوص نظام المحكمة وانها على استعداد للأخذ بكل ما يطمئن «حزب الله» وحلفاءه الى ان المحكمة ونظامها لا يستهدفان سوى إظهار الحقيقة، واذا كانت ثمة التباسات وفقرات تحمل شبهة الاقتصاص من الخصوم السياسيين فالحكومة منفتحة على نقاشها، وهي أصلاً لم تقفل الباب أمام إجراء أي مراجعة لبنودها شرط عدم إفراغ نظام المحكمة من مضمونها أو تجويفها وحرفها عن هدفها وهو معرفة الجناة والاقتصاص منهم. أما في خصوص حكومة الوحدة الوطنية فإن الوسطاء العرب سواء المصريين والسعوديين وحتى الايرانيين وافقوا على الصيغة التي طرحها الأمين العام للجامعة العربية عمرو موسى أي صيغة 19 - 10 - 1 لتوسيع الحكومة، وإن كانت العقدة هي في طريقة اختيار «الوزير الملك»، وقد اقترح موسى حلاً لها يقوم على أساس ان تقترح المعارضة خمسة أسماء تختار الأكثرية منها «الوزير الملك».
وعلى رغم المناخ السياسي المأزوم وتأكيد المعارضة انها لن تترك باباً للتصعيد إلا وستلجأ إليه، وانها لن تخرج من الشارع قبل تحقيق مطالبها بالمشاركة في حكومة وحدة وطنية وانتخابات نيابية مبكرة لإعادة إنتاج السلطة، أفادت معلومات خاصة بـ «الأخبار» ان المملكة العربية السعودية ومصر وايران ستواصل تحركها من خلال سفرائها في بيروت لا سيما اتصالاتهم بالرئيس نبيه بري وسائر قيادات المعارضة والموالاة لبلورة أفكار تسهم في حل الأزمة اللبنانية وإبعادها عن الأزمات الأخرى المشتعلة في المنطقة، وهم يعملون حالياً على فتح قنوات تواصل بين أقطاب النزاع لأن المنطقة لا تستطيع تحمل نشوء عراق جديد متفجر، وهذا ما تلتقي على استبعاده ايران والسعودية، وقد ظهر ذلك جلياً في محادثات علي لاريجاني مع الملك عبد الله والرسائل التي حملها معه من طهران من مرشد الثورة الإسلامية ورئيس الجمهورية محمود أحمدي نجاد، وتضيف المعلومات أن ما نشرته «الأخبار» أخيراً عن زيارة كان يعتزم ان يقوم بها الى بيروت كل من لاريجاني والأمير بندر بن سلطان، صحيحة ولكن ارتوئي تأجيل الزيارة حتى تتم تسوية العلاقة السعودية - السورية، وفي هذا الإطار جاءت زيارة لاريجاني الى السعودية والآن الى دمشق لفتح المسالك في العلاقة بين البلدين وإعادتها الى طبيعتها. وتضيف المعلومات التي استقتها «الأخبار» من مصادر ديبلوماسية عربية وسياسية لبنانية ان هناك من نصح طهران بالقيام بدور موفق بين دمشق والرياض وهذا ما حصل... وتلفت المصادر الى حدث مهم لم يأخذ مداه من الاهتمام لدى المراقبين والمتابعين لتطور الأزمات في المنطقة وهو ان قرار الرياض استضافة القمة العربية أواخر آذار المقبل بعد اعتذارها عن عدم استضافتها يعني من جملة ما يعني ان المملكة حريصة على ترميم علاقتها مع دمشق، وان لدى المملكة من الأسباب للتخلي عن قرار الاعتذار ووضع الكتف تحت الحمل الثقيل في ضوء الظروف التي تمر بها المنطقة والتحديات التي يواجهها العرب بحيث تأمل السعودية ان تكون قمة الرياض المقبلة، قمة لمّ الشمل العربي وإعادة ترتيب البيت العربي وهي لن تتوانى عن بذل أي جهد يسهم في توفير فرص النجاح لها.
من هنا يراهن كثيرون على إعادة الروح الى العمل العربي المشترك وعلى بدء الرياض بواسطة الأقنية الديبلوماسية والسياسية بقطع خطوات في اتجاه تطبيع علاقاتها مع سوريا بما ينعكس إيجاباً على العلاقة اللبنانية - السورية وعلى مجمل الوضع اللبناني بكل محتوياته وتناقضاته، وما زيارة لاريجاني الى السعودية والى سوريا سوى مؤشرات ايجابية لها معانيها السياسية العميقة لإعادة الاعتبار الى التضامن العربي والتعاون العربي الإيراني، كمقدمة لا بد منها لإطفاء الحرائق المشتعلة في فلسطين والعراق ولبنان. وهناك بعض التقارير التي تتحدث عن احتمال عقد مؤتمر مصغر في الرياض يضم عدداً من أقطاب الأزمة اللبنانية خلال الأسابيع القليلة المقبلة برعاية سعودية - مصرية - إيرانية مشتركة لإنجاز تسوية متوازنة للوضع اللبناني قبل قمة الرياض.