strong>غسّان سعود
أعلام «فرقة الصدم القواتيّة» ترفرف وسط الدخان المنبعث من الإطارات المحترقة، أغاني القوات اللبنانية، مناصرون للقوات يشهرون أسلحتهم الحربية وبنادق الصيد علانية. ويستكمل المشهد بملء مناصري القوات كل المساحات التي تركها العونيون فارغة، قاطعين بذلك الطرق، ومسببين إرباكاً للقوى الأمنية منعها من لعب الدور الذي كان يفترض بها القيام به بحسب أحد الضباط. هكذا، تخطى شباب القوات القوى الأمنية والجيش، ونزلوا إلى الشارع لينفذوا عملياً شعارهم القديم «وحدها بتحمي الشرقيّة.. القوات اللبنانيّة». فضاقت الطرق بالقواتيين الغاضبين من تجاوب المواطنين في المناطق المسيحية مع دعوة المعارضة للإضراب العام. وبدا العونيون في المقابل، عاجزين في الأسلوب والقدرات، عن مجاراة القواتيين، ولم ينفعهم الاتكال على الجيش، فانكفأوا عن الرد على الحجارة القواتيّة والعصي، بحجة عدم الرغبة في الانجرار إلى الفتنة التي تريدها القوات. واتضحت صحة ما سبق للعماد ميشال عون أن حذر منه قبل يومين في ما يتعلق بالتعرض للمتظاهرين. فإذا بالمتن يتحول إلى ساحة مواجهة متنقلة بين القوات اللبنانية والمتظاهرين، وتنقلت المشاكل من نهر الكلب وضبيّة ونهر الموت والدورة، لتشمل لاحقاً كل بلدات المتن تقريباً.
وكانت إشارة الانطلاق لتحرك المعارضة قد أعطيت عند الخامسة صباحاً، فانطلقت أربع سيارات تمتلئ بالعونيين وشاحنة صغيرة محملة بالدواليب من منطقة بتغرين باتجاه ساحل المتن. وعمل شبان التيار على إحراق دولابين أو ثلاثة كل مئة متر تقريباً، ما سبّب إرباكاً للقوى الأمنية والجيش، فاندفعوا باتجاه أعالي المتن، الأمر الذي سمح للمجموعات العونيّة الصغيرة التي سبق أن توزعت على طول الأوتوستراد أن تباشر في إحراق الإطارات وقطع الطريق الدوليّة.
عونيو كليّة العلوم كانوا أول من قطع الطريق على بعد أمتار قليلة من نفق نهر الموت باتجاه بيروت، قبل أن يلحقهم عونيو كلية الحقوق في منطقة الضبية، لتتوالى بعدها النقاط وصولاً إلى نهر الموت حيث كان طانيوس حبيقة ورفاقه في التيار قد أحكموا إقفال جهتي الأوتوستراد شمالاً وجنوباً بحيث استحال مرور السيارات في الاتجاهين. واللافت أن عدد السيارات المزدحمة بسبب إقفال الطرقات لم يتعدَّ في أكبر تجمع ثلاثين سيارة. وشهد المتن بساحله وجبله إقفالاً شبه تام، وغاب أثر التلامذة والطلاب وسيارات الأجرة والباصات، كما التزمت غالبية بلديات المتن أيضاً في الإضراب.
وقرابة الساعة العاشرة صباحاً، كشف التيار ببيان رسمي أن مجموعة من القوات اللبنانيّة حاولت فجراً اقتحام مقر أمانة سر تكتل التغيير والاصلاح في الجديدة. وقال إن هناك دلائل عدّة على مستوى تنسيق متقدم بين شباب القوات وقوى الأمن الداخلي. ولاحقاً وصلت عناصر من القوات اللبنانية والكتائب إلى الطريق الداخلية في الزلقا حيث إذاعة صوت الغد التابعة بشقها الإخباري للتيار الوطني الحر. وحاولوا على مدى أكثر من ثلاث ساعات اقتحام مبنى الإذاعة. لكن الجيش اللبناني ظل يتصدى لهم ويمنعهم من الدخول، فيما تابعت الإذاعة تغطيتها الواسعة لما يحصل في كل الأراضي اللبنانيّة. وفي موازاة حصار صوت الغد، نجح القواتيون في محاصرة اعتصام العونيين في نهر الكلب، وكانوا مموَّنين بكميات هائلة من الحجارة والعصي أخذوا يرمون العونيين بها، ما أدى إلى سقوط عدد كبير من الجرحى، وقبل أن ينتهي وليد الأشقر القيادي في التيار من النجاح في إقناع جمهور العونيين بعدم الرد على حجارة القواتيين وشتائمهم، وجد نفسه والمجموعة العونيّة أمام عنف آخر مصدره الجيش اللبناني الذي كان يفترض به وفق توقعات العونيين أن يتحرك باتجاه القواتيين لا العكس. وعُلم لاحقاً، بحسب التيار، أن مسؤول القوات في كسروان وعضو فرقة الصدم سابقاً هو من نظم الاعتداء على المتظاهرين والجيش في نهر الكلب، فيما كان إدي أبي اللمع أحد أبرز قياديي القوات في المتن ينظم الاعتداء على المعتصمين في منطقة الدورة وتحطيم سيارات المواطنين بالعصي والحجارة والجنازير، في مشهد قال عنه أحد أبناء المنطقة إنه «أشبه بتظاهرة 5 شباط مع فارق وحيد أن سيف الغاضبين السنّة استبدل بصليب مشطوب».
واللافت، بحسب العونيين أن أبي اللمع أشرف شخصياً أيضاً على إحراق «كيوسك الـ8 oranges» في منطقة نهر الموت. وبين خبرية تشغل المتظاهرين وأخرى، كان العونيون يسرقون الدقائق ليمارسوا طقوسهم الخاصة، رقص وهتاف وموسيقى. «عونك جايي من الله»، «وحدك يا عسكر لبنان يا حامي استقلالنا.. عالي جبينك بالميدان وعالي أرز بلادنا»، وابتسامات بمختلف الاتجاهات، بينما كان الآخرون مشغولين بشتم العونيين وحلفائهم وتأكيد الشعار ــــــ العقيدة «وحدها بتحمي الشرقيّة.. القوات اللبنانيّة».