جاد نصر الله
في السادسة والنصف صباحاً، قرّر المعتصمون على تقاطع «الصياد» في منطقة الحازمية قطع الطريق صعوداً باتجاه الجبل. وفي الوقت الذي حملوا فيه الدواليب لرصفها على عرض الشارع أدار شاب محرك سيارته البيضاء على بعد أمتار من المكان وسار بها إلى الازدحام المستجد. المواطنون في السيارات يطلبون من قاطعي الطرق فتحها لأنهم يودون الذهاب إلى عملهم «لماذا الآن! دعونا نمر ثم أفعلوا ما تريدون. أيُعقل أن تقفلوها على دورنا». لم يفلحوا في مسعاهم، حتى وساطات عناصر الجيش الودّيَّة لم تأت بنفع يُذكر. وحدهم، شبان السيارة البيضاء كان لهم كلمة الفصل في دفع الأمور إلى التصادم حين انهالوا بقبضاتهم على كل من يقف في الجهة المقابلة محاولاً إنجاح اعتصام المعارضة، وإن بطريقته. «اتركونا نروح على الشغل، لا حق لكم بفرض إضرابكم على الجميع»، صَدَحت حناجرهم، فيما تشابكت الأجساد بعضها مع بعض. لم ينفع تدخل القيادي في التيار الوطني الحر حكمت ديب في تهدئة أنصاره والشبان الآخرين. وقودٌ صُبَّ على النار، اشتعلت الإطارات، خاف الجميع وهربوا من وَهجِها. هرع الشبان إلى سيارتهم والتفوا بها إلى الجانب الآخر من الطريق مُعيدينَ رسم المشهد نفسه: «ما بدكون تخلونا نروح على الشغل، إذن افتحوا الطريق لأننا نريد العودة إلى منازلنا»، أي حجة فقط لاستفزاز أعصاب عناصر «الانضباط». يُصَرِّح ديب بعد الإشكال «إن هؤلاء شباب مندسون يحملون السلاح وقد كُلِّفوا افتعال الإضطرابات». لا تصدقه، فما رأيته للتو هو بكل بساطة مشهد أُناس أرادوا الوصول إلى أماكن عملهم بأي وسيلة متاحة.
تمضي الساعات، وفي جولة على حواجز العبور المختلفة تمر بمنطقة النزاعات التاريخية: محور الشياح ــ عين الرمانة. مراهقٌ يبلغ من العمر أربعة عشر عاماً يسرع بدراجته لطلب الدعم لرفاقه على أحد حواجز العبور: «تعالوا بسرعة، مشكل مع القوات في عين الرمانة». فصل الجيش بين الفريقين بعد فوات الأوان. الفريق الأول شبان بملابس سوداء يلطمون على الرؤوس ويتوعدون، الفريق الثاني خمسة شبان قالوا: «أردنا الخروج من منازلنا، لكن مُنعنا بالقوة». التعرف إلى وجوه الشباب الحريصين على العمل في نهار الإضراب كان سهلاً جداً. هم من كانوا يقطنون صباحاً في الحازمية وأرادوا الخروج منها، وفي العاشرة من قبل الظهر ادّعوا أنهم من سكان عين الرمانة!
خمسة شبان، لم تحتج المسألة لعدد أكبر من المندسين. الشتائم والعبارات التي تفوهوا بها كانت كافية لإشعال بلد في مقابل الإطارات. «وينك يا أيام البوسطة»، يَصرخ أحدهم بأعلى صوته فيملأ فضاء المنطقة بالنار التي تتأجج في صدره ولا تجد من يطفئها.