ثائر غندور
أقفل سائقو «الميني باص» طريق الروشة بفاناتهم رافعين أعلام الاتحاد العمالي العام. جلسوا في مجموعات يتباحثون بالورقة الإصلاحية «لأن اعتصام اليوم لشراء فاكهة لأطفالي» يقول أبو علي. أما على بعد أمتار منهم، مقابل تلفزيون المستقبل، فتجمهر عشرات الشبّان من الحزب السوري القوميالاجتماعي في حالة تأهّب قصوى. فالقوميون أحبطوا لتوّهم محاولة اقتحام لمركزهم الرئيسي في الروشة، وتحدثوا عن وجود سلاح مع «المهاجمين». يستذكرون محاولة تطويقهم منذ أسابيع، ويهمس أحدهم بآذان «الرفاق»: «حضّروا حالكم، المستقبل عم يحضروا مجموعة جديدة بالقرب من السفارة السعودية وأخرى عند صيدلية الفاخوري (كاراكاس)». يتراجع «القوميون» حتى ينظموا صفوفهم لاستيعاب الهجوم الثاني. بعد الرابعة عصراً «أطلق بعض مناصري تيار المستقبل النار باتجاه مركزنا وأصابوا واجهته، ليشكل إطلاق النار الذروة في المحاولات الخمس لمهاجمتنا» يقول مصدر قيادي في الحزب القومي، مضيفاً: «عالج الجيش الحادث». بينما أشار عدد من الشهود إلى أن إطلاق النار جاء من مركز القومي رداً على هجوم مناصري المستقبل عليه بالحجارة. ومساء ارتفع عدد مناصري المستقبل في محيط مركز القومي، ما يثير ريبة القوميين الذين يتوقعون محاولات أخرى للهجوم.
في المقابل، تجمهر مناصرو تيار المستقبل بالقرب من تلفزيونهم، يقودهم «الشاغوري» وينظم هتافاتهم ضد الأمين العام لحزب الله. يصل رئيس جمعية شباب المستقبل نادر النقيب في جولة تفقدية على شبابه، وفي هذه اللحظات يمرّ شابّان على دراجة نارية، يلحقهم الشباب «لأنهم يرتدون الأسود». يحاول النقيب الحديث عن سلمية تحرك شبّانه الذين «يريدون فقط فتح الطرقات»، فيقاطعه الشباب: «بيروت لأهلها، وليست لأولئك الآتين من القرى»، ويضيف زميله: «أصلاً، هني كانوا يحلموا يشربوا قهوة على الروشة؟». وترتفع الشتائم، من دون أن تنفع محاولات النقيب في ضبط الوضع. يطلب منه رائد في قوى الأمن «تخفيف لهجة الشباب» ويضيِّق عناصر الجيش الخناق حولهم، لكن النقيب يظهر كالقائد الذي فقد السيطرة على عناصره، فيترك الساحة بأيدي «الشاغوري» الذي يصرخ بالشباب: «واحدة أبو بهاء».
لم تكف حناجر «المستقبليين» عن الهتاف المؤيد «لباني الوطن الرئيس السنيورة» والمعادي لقوى المعارضة. وعلى الطرف الآخر، يجلس المعارضون بهدوء منتظرين «القرار بإظهار المفاجآت التي وعد بها قادة المعارضة». يأتي القرار، فتشتعل سيارتا مرسيدس، واحدة مقابل تلفزيون المستقبل والثانية أمام الحمام العسكري. وبعيداً من هذه النقطة الساخنة، لم يعكر هدوء البحر وكورنيشه من الروشة إلى عين المريسة وصولاً إلى السان جورج، إلّا المخبرون المنتشرون عند كل زاوية يراقبون الحركة الاحتجاجية، في ظل إقفال شبه تام لمحالّ المنطقة.
من ناحية أخرى، انكسر هدوء شارع مار إلياس عند الخامسة فجراً، حين استفاق أهالي المنطقة على صرخة. ويقول سكان الشارع الرئيسي «إن حوالى الساعة الخامسة إلا ثلثاً دخلت مجموعة من شباب المعارضة إلى مار إلياس على هتافات «يا بيروت جينا جينا وين الزلم تتلاقينا». ويقول حسان، أحد السكان «إن المتظاهرين أغلقوا الطرقات بمكبات سوكلين وبعد مرور بعض الوقت بدأوا بإحراق الإطارات». الخامسة والنصف وصلت تسع ملالات للجيش اللبناني إضافةً إلى شاحنتين عسكريتين، حسب حسان الذي «تمسمر» على شرفة منزله المطلة على الشارع. وما لبث أن انسحب الجيش، وتوزع رجال الانضباط على مداخل البنايات على طول الشارع مانعين حدوث أي احتكاك مباشر بين المتظاهرين وسكان المنطقة «المعروف انتماؤهم». وهكذا سقطت مار الياس بيد المعارضة.
وفي فردان، شهد الشارع حركة مرور خفيفة للسيارات لأن طرقاتها بقيت مفتوحة، فيما أقفلت محالها التجارية باستثناء بعض المطاعم والمقاهي والنوادي الرياضية التي شهدت حركة زبائن أقل من طبيعية. أمّا في الحمرا، فأقفلت الطرقات منذ ساعات الصباح الأولى عبر حرق الإطارات، إلا أنّ المحالّ التجارية في شارع بلس المقابلة للجامعة الأميركية فتحت أبوابها.