غابت جلسات المحاكمات والتحقيقات الى حدّ كبير عن قصور العدل اللبنانية أمس، وتركز النشاط القضائي اساساً على المراجعات وتحديد مواعيد جديدة للجلسات التي كانت مقررة اول من امس، وتعطلت بفعل الاضراب العام الذي غيّب الدينامية المعتادة عن عدلية بيروت مثل سواها في باقي المناطق.ومن نافل القول أن احداث اليوم السابق وما رافقها طغت على العمل القضائي الروتيني، سواء لدى القضاة او معاونيهم من مساعدين قضائيين أو موظفين عاديين... فعقدت حلقات تقويم لم تخل من انتقاد ما حصل من جانب البعض ودفاع البعض الآخر عنها وإن كان المدافع لا يخفي وجود تصرفات نافرة أثّرت في فحوى التحركات ولم تكن مقبولة حتى من المنظمين والراعين لهذه التحركات.
طبعاً لم تغب الحدّة عن نقاشات المتحاورين والمتشاورين في الغرف الضيقة في قصر العدل... فثمة فريق رأى أن المعارضة اقتربت من الخط الاحمر و«تصرفاتها الاستفزازية» كادت تشعل فتنة بين لحظة وأخرى، وذهب هذا الفريق الى القول: «لقد احترقوا (المعارضة). وهنا اجاب احدهم في الفريق الآخر قائلاً «بالفعل الدواليب احترقوا». الجدل الذي لم يتجاوز حدّ اللياقة والاحترام بين رفاق العمل لم يخل من عنتريات التحدي وإثبات الموقف والالتزام السياسي. انصار الحكومة اكدوا أنهم تحدوا الخطر ومعمودية النار للوصول الى العمل كسراً لإرادة المعارضة، أما مناصرو الأخيرة فاعترفوا بتغيبهم طوعاً استجابة لرغبة المعارضة المؤيدين لطروحاتها. وقبل ان ينتهي حوار الرفاق «الأعدقاء» دخل القاضي الذي يرأس موقع الحوار. تبدل الحديث كلياً، وانصرف من كان ضيفاً في الخلوة الى مكتبه كي لا يقع تحت المساءلة القانونية لأنه بذلك يخالف تعميم هيئة التفتيش القضائي التي تحظر الحديث في السياسة خلال العمل.
ما ذكر اعلاه لم يكن مقتصراً على مكتب واحد، أو موظفي دائرة او وزارة واحدة. انه لسان حال باقي الموظفين في كل المؤسسات الرسمية، وهو دليل قاطع على ان السياسة وملوثاتها نخرت عظام الادارة اللبنانية بما فيها مرفق العدالة الذي يؤمل تحييده كلياً عن موبقات السياسة وأهلها.
(الأخبار)