عرفات حجازي
«أنا لست يائساً على رغم سواد الصورة وسواد الحرائق، وما زال لديّ الأمل بالقدرة على اختراق السدود والوصول إلى تسوية تخرج الوضع من حال المراوحة». هذا ما يقوله الرئيس نبيه بري أمام زائريه من دون أن يقلّل من حجم المخاطر وصعوبة الوضع الذي لامس نقطة الانفجار ووجود من يدفع بلبنان إلى حافة الفتنة. ويعترف بري أنه، وقيادة المعارضة، كانوا متوافقين على تعليق الإضراب الذي لم يكن مقرراً لأكثر من يوم واحد، وأن التعليق جاء نتيجة تقويم لمحصّلة ما جرى في يوم الإضراب وفرز إيجابياته وسلبياته والتطورات الميدانية التي تحكّمت في مساره ومداه واتّساعه، وكان الرأي مجمعاً على ضرورة إعطاء فرصة جديدة لفريق السلطة كي يراجع حساباته ويتراجع عن مواقفه، مع التأكيد على قدرة المعارضة على استمرار التحرك بصورة أكثر تأثيراً مما حصل.
ويلفت بري إلى مسألة أساسية وحساسة، وهي الحفاظ على المؤسسة العسكرية ووحدتها وانضباطها، والتي أثبتت في أكثر من امتحان قدرتها على التعاطي مع الجميع بروح المسؤولية، فأثبتت أنها على مسافة واحدة من الجميع وتمكنت بحكمة قيادتها من الحدّ من الخسائر ومنع تفاقم الأمور. ويقول الرئيس بري: «ليس صحيحاً أن الجيش كان متساهلاً وسمح بانفلات الوضع، بل كان حازماً وحاسماً في مواقع دعت الحاجة إلى مثل هذا الحزم، وفي مواقع أخرى كان حكيماً ففصل بين المعسكرين ومنع الاحتكاك بينهما». ويضيف: «حرام أن نفرّط بهذه المؤسسة التي أعتبرها مع المجلس النيابي بمثابة عمودين أساسيين لخيمة الوطن. لقد استطعت، رغم الحملات الظالمة، أن أحمي المجلس وأنأى به عن وباء الانقسامات. وعلينا أن نحمي الجيش ونحرص على تمكينه من أداء رسالته الوطنية وألّا نزجّه في الصراعات السياسية. لقد كان رأيي واضحاً وصريحاً منذ بدايات التحرك أن أمن الناس وممتلكاتهم، وحفظ المؤسسة العسكرية وعدم الاحتكاك بها، وقطع الطريق على الفتنة أياً كانت الظروف والاعتبارات هي خطوط حمراء لا أسمح لأحد بتجاوزها».
ويكرر بريالتحذير من «مغبّة الاستمرار في سياسة العناد والمكابرة وعدم الإصغاء لصوت العقل والضمير ووجوب التبصّر بما آلت إليه الأوضاع، وما يمكن أن تؤول إليه إذا ما استمرت السلطة في اعتمادها سياسة الهروب المربك إلى الأمام، مستقوية على معارضيها بجرعات الدعم الدولي.، ومن المفيد جداً أن تكون الرسائل المدوّية التي بعث بها إضراب أول من أمس إلى من يعنيهم الأمر قد وصلت وتم استيعابها لأن الخطوات المقبلة ستكون أكثر تأثيراً. وأنا أحذر الآن كما حذرت سابقاً من أن الأمور قد تفلت من عقالها وتخرج عن السيطرة إذا لم توضع الأمور في نصابها وتغلّب خيار الحلول الوطنية والحفاظ على العيش المشترك».
ويعترف بري بأن المملكة العربية السعودية بعد عدوان تموز «احتفظت بمسافة واحدة بين الأطراف، وبذلت جهوداً مشكورة، وما زالت، لتوسيع مساحات التلاقي بين اللبنانيين وتضييق مساحات الاختلاف والتباعد، وأنا أعلّق أهمية كبيرة على الاتصالات السعودية - الإيرانية المكثفة لإنهاء النزاع في لبنان، لا سيما أنها تتم بمعرفة سوريا»، معتبراً أن زيارة الأمين العام لمجلس الأمن الوطني بندر بن سلطان إلى طهران ولقاءه مع مرشد الثورة السيد علي خامنئي «مؤشر إيجابي ومشجع يعطينا خيار التعامل العربي الإقليمي مع أزمتن، لا سيما أن معظم المحادثات ستخصص للشأن اللبناني، والباقي لموضوع العراق. والعنوان الكبير هو: محاصرة الفتنة الشيعية - السنية».
وعن المخارج، يرى بري أن «بوابة الحلول قيام حكومة وحدة وطنية بثلث ضامن، ومن جهتي لا مانع لديّ أن تكون بوابة الحل الاتفاق على المحكمة ذات الطابع الدولي وأنا وضعتها بنداً أول في مبادرتي التي تم قصفها قبل أن تقرأ وقبل أن يُعرف مضمونها، وان ما تطالب به المعارضة بالنسبة للأمرين، المحكمة والحكومة، من أبسط حقوقها. لقد حالوا مرتين دون امتحان صدقيّتنا وجديّتنا إذا كنا مع المحكمة أم لا، فاعتكف وزراؤنا ثم استقالوا وقاموا بإقرار وبتهريب المحكمة، وكأن المطلوب أن تكون المحكمة الدولية أداة ابتزاز وتصفية حساب مع الخصوم السياسيين. أما بالنسبة للحكومة فإن الثلث الضامن هو الحد الأدنى الذي يمكن القبول به لأن للمعارضة، قياساً إلى نسبة تمثيلها النيابي، الحق بأكثر من 13 وزيراً، وهي تكتفي بالمطالبة بأحد عشر وزيراً، أما حكاية الضمانات بأن لا تستقيل الحكومة ولا يتعطل أداؤها فقلنا اننا حاضرون لأي شكل من أشكال الضمانات تطلبونها مع تعهدات بأن الثلث سيكون للتفعيل وليس للتعطيل، لكنهم رفضوا. وأنا أقول شهادة للتاريخ إنه منذ 14 آب، وأنا أعمل بكل ما أستطيع لأدفع عن اللبنانيين الأذى وعدم الوصول بالوضع إلى ما وصلنا إليه. لقد تعاونت معي المعارضة أكثر بكثير مما تعاون فريق الأكثرية ربما احتراماً من المعارضة لموقعي ولما أمثل، وإما رغبة في الاحتفاظ بي إلى جانبهم، تجاوبوا معي مكرهين في حالات كثيرة، لكن الموالين والبعض منهم تحديداً، كانوا أغبياء سياسة ففوّتوا على أنفسهم فرصاً لتعزيز وضعهم وتفعيل الحكومة التي يحتفظون برئاستها وبالأكثرية فيها، فحوّلوا خصومتهم مع لحود إلى حالة عداء، وجمّدوا الدولة وشلّوا المؤسسات، فلا التشكيلات القضائية التي أقرّت بالإجماع أبصرت النور ولا التشكيلات الدبلوماسية حصلت ولا الترقيات في المؤسسات الأمنية تم بتها لأنها تحتاج كلها إلى مراسيم تحمل توقيع رئيس الجمهورية».
وعاد بري ليتّهم فريق السلطة بأنه لا يتّعظ من الوقائع والأحداث، مستذكراً كيف أن باريس 2 حققها الرئيس الشهيد رفيق الحريري والرئيس جاك شيراك، لكن محصّلتها ذهبت أدراج الرياح بسبب الخلاف بين لحود والحريري، «والآن أخشى أن تتكرر التجربة فتذهب نتائج باريس 3 كما ذهبت نتائج باريس 2 إذا ما استمر التأزم في علاقة الرئيسين لحود والسنيورة».
لدى الرئيس بري الكثير ليقوله، لكنّ أوان البوح بالمستور لم يحن بعد، آملاً أن يكون ما حدث صدمة إيجابية تعيد الجميع إلى رشدهم، وتشعرهم بخطورة الأزمة وتولّد لديهم قناعات جديدة تدفعهم إلى التلاقي من جديد وابتداع صيغ خلّاقة لإخراج الوضع المأزوم من دائرة الخطر.