البقاع ـ عفيف دياب
لم يتمتع سهل البقاع امس بشمس دافئة في طقس كانون الربيعي. اذ بقيت المنطقة «قابعة» تحت سحابة من الدخان الاسود الناجم عن الحرائق «المعارضة» و«الموالية» في يوم الاحتجاج الطويل الذي اقفل على «كميات» دماء من مختلف «الفئات»، كادت أن تشعل حرباً طائفية على ارض السهل الفسيح «المتخم» بالانقسامات السياسية والديموغرافية وحتى الاقتصادية.
لا يستطيع متابع واقع البقاع السياسي، كمّاً ونوعاً، الا أن يخرج بانطباع يؤكد أن جميع فئاته خرجت من «اضراب الثلاثاء» بأكبر قدر من الخسائر قد لا تعوض في مقبل الايام الحاملة في طياتها مزيداً من الفراق والشقاق، وحتى النفاق في العلاقات السياسية والتواصل المحلي، وما يسمى «العيش المشترك» الذي تجلى أول من امس بأبهى مشاهد «الغش المشترك».
لا يمكن القول إن «المعارضة» حققت في البقاع مكسباً يضاف الى رصيدها السياسي والشعبي في «اضرابها» وقطع الطرقات. والقول والفعل ينطبقان على «الموالاة» التي لم تعرف بعد كيف تحدّ من خسائرها السياسية والشعبية منذ ان تولت ادارة البلاد منفردة.
يجمع مراقبون في سهل البقاع، على أن المعارضة والموالاة أوغلتا في اثارة الغرائز الطائفية والسياسية التي كانت جمراً تحت الرماد اشتعل ناراً اتت على كل ما كان يمكن ترميمه من علاقات محلية متصدعة نتيجة الخلافات السياسية التي احدثت فرزاً خطيراً في الشارع البقاعي، وفي كل شوارع لبنان.
فشلت المعارضة في «ضبط» شارعها، وكذلك حال الموالاة التي كانت تنتظر تحرك المعارضة لترفع من سقف الانقسام المحلي. لكن فريقي النزاع توحدا في اقفال الطرق وإحداث الشغب على حسابهما اولاً وعلى حساب الذين على الحياد.
لم ينجح «التيار الوطني الحر»، رغم هدوء مناصريه،في حشد مزيد من المؤيدين لتياره في مدينة زحلة. ومثّل تحرك قوى الموالاة (خصوصاً «القوات اللبنانية» والكتائب) خسارة لها في المدينة اكثر مما كانت تتوقع. وربما كانت «الكتلة الشعبية» الاكثر خسارة في التحرك الاعتراضي. فالنائب الياس سكاف، المعروف بهدوئه لم تضف مشاركة أنصاره في قطع الطرق وحرق الاطارات، الى رصيده الا «خسارة كان في غنى عنها»، بحسب قراءة اكثر من قطب محلي زمني وروحي. ويقول هؤلاء انه كان في امكان «الكتلة الشعبية» ان تجنب المدينة الاقفال التام الذي ساهم فيه ايضاً أنصار «الموالاة» من خلال قطع الطرق والاكتفاء بترك الحرية لأبناء المدينة في تحديد شكل مشاركتهم او عدمها في الاضراب.
اما من ناحية «حزب الله»، فإن كل القراءات المحلية ترى انه الاكثر خسارة منذ بدء تحرك المعارضة على الصعيد الوطني، وأكثر وأكثر في منطقة البقاع. ويقول متابعون ان اضراب الثلاثاء اظهر بوضوح مدى «ابتعاد الشارع السني عن الحزب ومقاومته». ويضيفون: «لم نكن نتصور يوماً أن يقف الشيعة والسنة في البقاع قبالة بعضهم بعضاً والعصي في ايديهم». ويجمع هؤلاء على أن تيار «المستقبل» تلقى خسارة كبيرة في البقاع حين ترك انصاره ينزلون الى الطرقات ويعطون انطباعاً «مأساوياً» عن مدى «العصبية والتوتر» في رفضهم للصوت الآخر المختلف معهم في وجهة النظر فقط لا غير. وأظهر ايضاً كم أن «نخبته» المحلية غير قادرة على الاستمرار في «الوجاهة» الا بقطع الطرق والتحريض المذهبي على الآخر.