أنطوان سعد
قد يكون كلام البطريرك الماروني مار نصر الله بطرس صفير الأحد الماضي على تحميل مسؤولية تردّي الأوضاع السياسية في البلاد للسلطة والمعارضة على السواء، قد أصبح مفهوماً أكثر بعد المشاهد المؤسفة التي عرضتها محطات التلفزة اللبنانية والعربية والعالمية الثلاثاء الماضي. فهذا الكلام الذي أثار حفيظة أوساط السلطة في شكل خاص لأنه شكّل برأيها «تعامياً عن رؤية ما يجري وميلاً للتنصل من مواجهة المنطق الانقلابي الذي قررت المعارضة السير به»، أعاد الى الأذهان مواقف البطريرك صفير في كل المنعطفات التي ارتدت فيها الحياة السياسية اللبنانية طابع الخطورة على وحدة لبنان.
فسيد بكركي لم يقبل بأن يأخذ جانب قوى الأمر الواقع المسيحية في ما كان يعرف بالمنطقة الشرقية في نزاعها مع القوى المتحالفة مع دمشق وغيرها من العواصم التي كانت تتدخل في المسألة اللبنانية، على رغم كونه أول من طالب بسيادة لبنان واستقلاله وقراره الحر عام 1986.
وكذلك لم ينحز الى حكومة الرئيس العماد ميشال عون في نزاعه مع حكومة الرئيس سليم الحص، على رغم ان القيادات الدينية الاسلامية كلها انحازت الى الثانية وجعلت بذلك موقف البطريرك صفير محرجاً تجاه رعيته التي طالبته صراحة بدعم حكومة عون.
ولم يأخذ سيد بكركي أيضاً طرفاً في حرب الانتحار الجماعي التي دارت رحاها بين المسيحيين عام 1990، ولا في النزاع الطويل بين الرئيسين إميل لحود ورفيق الحريري، ولا من النزاع بين قوى 8 و14 آذار في موضوع إسقاط رئيس الجمهورية ومن ثم إسقاط رئيس الحكومة فؤاد السنيورة في الشارع. فكيف يظن أهل السلطة انه سينحاز إليهم في دعواتهم لمناصريهم الى التصدي للمتظاهرين الذين سيعمدون الى إقفال الطرق؟ وإن كان سيد بكركي يرفض الاعتصامات والتظاهرات التي تعكس انقساماً طائفياً لأنه يعتبرها ثغرة يمكن ان ينفذ منها كل راغب أو صاحب مصلحة في عودة الحرب الى لبنان. إذ إنه يعتبر أن أي انتصار أو انكسار لهذا الطرف أو ذاك هو خسارة للبنان ولا قيمة له ولا يعني له شيئاً على الإطلاق.
لذلك سيبقى البطريرك الماروني بحسب عارفيه منتقداً للسلطة والمعارضة على السواء ما دامتا لا تعملان بالجدية المطلوبة على إيجاد تسوية لائقة ترضي الطرفين من غير اللجوء الى هذه أو تلك من الجهات العربية والدولية التي يكنّ لها جميعها الاحترام والتقدير نظراً إلى ما تقدمه الى لبنان من دعم سياسي ومساعدات مالية واقتصادية واجتماعية. واذا كان الحل الشامل متعذراً ففي إمكان الطرفين ان يتفقا على طريقة لإدارة الأزمة كما درجت عليه العادة عندما كان يختلف رئيس الجمهورية مع رئيس الحكومة. أما أن يستمر الطرفان بالتصعيد في شكل مطّرد دونما رادع ودونما الأخذ بمصلحة الوطن والمواطنين فهذا ضرب من الجنون من وجهة نظر العظة التي ألقاها البطريرك صفير يوم الأحد الماضي.
وعلى ما بدا الثلاثاء الماضي فان الخلاف قد انتقل بحدة الى الشارع المسيحي على رغم التحذير الذي وجّهته أمانة سر البطريركية المارونية بعد ظهر الأول من أمس، وعلى رغم المحاولات التي قام بها المطارنة الموارنة الثلاثة سمير مظلوم ويوسف بشارة وبولس مطر لتفاديه. وقد أظهرت أحداث الأمس ان ميثاق الشرف الذي حاولوا تسويقه لدى القيادات المارونية التي زاروها قبل نحو عشرة أيام لا يزال حاجة ماسة بعدما كان بعض هذه القيادات قد قلل من شأنه ودعا الى مقاربة شاملة للأزمة السياسية الحالية. من هنا تنشط أوساط وجمعيات أهلية مسيحية على خط تشكيل رأي عام يضغط على القيادات المسيحية لكي تستجيب للمبادرة البطريركية كي تتحول المجموعة المسيحية عنصراً مساعداً على تحقيق الوفاق بين الطرفين المتنازعين، لا متنفساً لنزاعهما أو وقوداً له.
ولا بدّ في هذا الإطار من معرفة الجواب الرسمي للقيادات المسيحية التي شملتها جولة الأساقفة عن المبادرة البطريركية ومدى استعدادهم للسير في اتجاه وضع ميثاق الشرف.
وفي أية حال، في وسط الصورة القاتمة التي عكستها شاشات التلفزيون خلال الاضراب عما جرى خصوصاً داخل الأحياء المسيحية، كان جلياً ان نسبة رافضي ما جرى فيها من مواجهات كانت كبيرة جداً، بغض النظر عن الموقف من الاعتصام وقطع الطرق. وهذا ما يشير الى صعوبة تكرار وقوع مواجهة شاملة بين القوات اللبنانية والتيار الوطني الحرّ. وستؤكد ذلك الحال اليوم داخل المناطق ذات الأغلبية المسيحية.