عمر نشابة
إن عملية المساءلة والمحاسبة من أركان العدالة في النظام الديموقراطي الحقيقي. وقد يكون تفعيل آليات المحاسبة سبيلاً لإخراج البلد من حال الفوضى والانقسام والفساد. لكن تلك الآليات لا يمكنها أن تعمل بدون اقتناع الناس بجدواها وبصدقيّتها. لذا، فإن نشر وتفعيل ثقافة المساءلة والمحاسبة هو الأساس. وعلى المسؤولين السياسيين الاستعداد الصادق للخضوع للمحاسبة على الأعمال التي يتحمّلون مسؤوليتها بحكم موقعهم القيادي. وفي هذا الإطار عبّر الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله يوم الاثنين الماضي عن استعداده للخضوع لآليات المحاسبة حتى لو أدّى ذلك الى محاسبته بالسجن إذ قال: «أنا شخصياً حاضر لأن أتحمل مسؤولية كلفة الحرب. وأنا لست قادراً على الدفع، وما عليكم إلا بسجني. لكن الأربعين مليار دولار من يتحمل مسؤوليتها؟ أنا موافق أن نذهب جميعنا الى السجن. وأنا أوافق أن نتحمّل كلّنا مسؤولية ما لحق بلبنان. وأنا موافق أن أتخلّى عن موقعي السياسي فليتفضّلوا ويتخلّون عن مواقعهم السياسية ولنذهب الى القضاء والتحقيق ولتأت طبقة تحكم البلد وتديره لا علاقة لها بشيء في المال. هل أنتم جاهزون؟»
أما قائد ميليشيا «القوات اللبنانية» سابقاً سمير جعجع فطالع المواطنين أمس عبر وسائل الإعلام عن حكمه بحق المتظاهرين المعارضين يوم الثلاثاء الماضي بموجب مواد في قانون العقوبات اللبناني. ولا بدّ من الاشارة إلى أن دعوة شخص محكوم بثلاثة أحكام بالسجن المؤبد بجرائم قتل، إلى احترام القانون، أمر يدعو إلى التفاؤل. إذ يبدو أن سمير جعجع تاب عن جرائمه وبات يستشهد بقانون العقوبات، ما قد يعني نجاح محاسبته القضائية (ولو الجزئية) على جرائمه بعد صدور عفو عام عنه من قبل مجلس النواب ورئيس الجمهورية عام 2005. لكن، وبالمناسبة، لا بدّ أن نذكّر أن أحكام المجلس العدلي لا يمكن أن يُطعن بها. وهذا يعني أن سمير جعجع مدان بأحكام صادرة عن أعلى سلطة قضائية محلّية ومعفى عنه من قبل أعلى سلطة إجرائية والسلطة التشريعية.
وبالعودة الى المساءلة والمحاسبة وآلياتها، يبدو أن البلد يحتاج الى سلطة قضائية مستقلة بالكامل. ولا يكفي الاستقلال عن السلطتين التشريعية والاجرائية بل من المفترض أن يبتعد الجسم القضائي عن المشاعر والعواطف والعصبيات. فيستقلّ القاضي والمدعي العام والمحقّق والموظّف عن الشفقة والحزن والغضب والكره
وحتى... الحبّ.