طرابلس ــ نقولا طعمة
شهدت منطقة باب التبانة عودة الحركة إلى أحيائها، وفتحت أسواقها ومحالها التجارية ومصانعها المتنوعة الصغيرة بعد أن أمسكت وحدات من الجيش اللبناني بمفاصل المنطقة فنشر قواته الآليات والعناصر على كل المفترقات

تمركزت أمس وحدات من الجيش اللبناني في منطقة باب التبانة، ولا سيما عند مفترق طلعة العمري، معززة بآليات مصفّحة وعسكريين بكامل الجهوزية للتدخل عند الحاجة.
نقترب من الملازم المكلّف قيادة القوّة في التبانة، نستأذنه أخذ لقطات للقوة، لكنه يمانع بلطف معتذراً. وعلى بعد نحو خمسمئة متر، عند مفترق طلعة الكواع، تمركزت قوّة أخرى تفتش العابرين نزولاً وصعوداً. وقبالتها تمركزت قوّة أخرى عند زاوية الشارع لجهة الحي التحتيّ.
وبين هذه النقطة ومستديرة الملولة انتشرت وحدات مؤللة على مسافة كيلومتر ونصف في عدّة نقاط لجهتي شارع سوريا الفاصل بين أحياء المحلّة: التبانة وبعل محسن، تتدخّل مجموعات منها عند ملاحظة أي حركة غير اعتيادية، وتتلقى شكاوى المواطنين الرافضين لإعادة التوتر إلى منطقتهم بعد سنوات آلام طويلة.
بسرعة، استعادت المنطقة حيويّتها، فعادت الحركة إلى الأحياء الداخليّة والشوارع التي شهدت حركة سيّارات ناشطة غابت منذ مطلع الأسبوع على وقع التطوّرات التي تعاقبت على أيام متعددة. بدت المنطقة طبيعيّة في الظاهر، مطمئنة إلى التدابير التي اتخّذها الجيش، تعبيراً عن رغبة العامّة بعدم الانجرار إلى أحداث جديدة تمنعهم في الحدّ الأدنى من الحصول على قوتهم اليومي. وعبّرت المنطقة عن رغبتها بعدم الانجرار إلى صراعات جديدة ببقائها هادئة، فلم تظهر أيّة حركة استجابة مع ما جرى في غير منطقة من لبنان، وخصوصاً أحداث الجامعة العربية.
غير أنّ هذا كلّه لا يمنع وجود جمر التعبئة التي تجري منذ زمن تحت رماد توتير متعمّد، فعّلته أحداث الأيام القليلة المنصرمة، وسقط فيه قتلى وجرحى. في الحيّين، بعل محسن والتبانة، كلّ يتّهم الآخر بالبدء بالتوتير، وينحو باللائمة على الطرف الآخر ببدء الأحداث. بعل محسن ينتصر للمعارضة، وتجمّعات عديدة في التبانة تنتصر لتيار المستقبل الذي يقيم أنصاره مقاهي في الأحياء على شكل خيم يتجمّع فيها المناصرون، يشربون القهوة، وينفخون في النارجيلة، ويستمعون إلى التلفزيون الناطق باسمهم.
كانت الحركة عند الظهيرة ناشطة، والسيارات تتحرّك بالاتجاهين. منظر غير متوقّع يبعث على الارتياح. نحاول التقاط بعض الصور. يتقدّم شاب من ضمن حلقة من الجالسين على أحد الأرصفة يتناولون القهوة والأركيلة، ويلحق به آخرون تباعاً. يدور معهم حوار متناوب يعبّر أفضل تعبير عمّا يختلج في النفوس من شحن واحتقان، على الشكل التالي:
ما الذي تصوّره ومن أنت؟ أنا مواطن لبناني ولا يحقّ لأحد أن يسألني هذا السؤال، إلاّ إذا كان يحمل صفة رسميّة. نحن أبناء المنطقة، ونحافظ على أمنها. السلطة تحافظ على الأمن. وحرصكم على المنطقة لا يختلف عن حرصي عليها. نريد أن نمحو الصور التي صوّرتها. لماذا؟ من قال إنّك لا تصوّر لمصلحة الحيّ الآخر؟ منذ أيام قليلة كنتم معاً، وقريباً ستعودون. لا حاجة لأحد لأن يصوّر كما تتصورون. نحن لا نعرفك. نريد أن نعرف هويّتك، ولماذا تصوّر. هل أنت صحفي؟ نعم. ربما كنت تصوّر لإعلام معاد. ونحن هنا كلّنا تيار مستقبل، ولا نسمح بالتصوير إلاّ لتلفزيون المستقبل، والـ LBC. أنا حرّ أن أكون ما أشاء، مثلكم أو لا. إذا شئتم معرفة المزيد تعالوا نذهب إلى الجيش أو الدرك، وأنا مستعدّ لأن أعطيهم بطاقتي. كلّ ما صوّرته هو حركة السير في شارع سوريا. هذا صار شارع لبنان وليس شارع سوريا، وهنا، نحن نضبط الوضع، ونحافظ على الأمن. أنا متعاطف مع سكان المنطقة، ومع الفقراء فيها. ولي فيها أصدقاء كثر. أيّام زمان تغيّرت. بالمشبرحة، وبلا لفّ ودوران، نحن هنا تيار مستقبل، ونحن نسمح ونمنع التصوير إلاّ للذي نريد. ربما كنت من حزب الله، أو تلفزيون المنار.
وفي أثناء الحوار الذي كان متصاعد الحماوة، كان شبّان آخرون يحومون حول السيّارة لمعرفة ما فيها، وقد سحب أحدهم المفاتيح. وصدف أن اتصّل أحد بالجيش على وقع تضخّم حجم الحشد. تأتي قوّة على رأسها ملازم أوّل، يطلب البطاقة، وينهي الإشكال البسيط على غرار إنقاذه للإشكالات الأكبر التي وقعت أخيراً. وينتهي الإشكال بإعادة المفاتيح إلى موقعها في السيارة.