صيدا ــ خالد الغربي
يعبّر أبناء محلة التعمير في صيدا، ممن نعموا بانتشار الجيش اللبناني، عن ارتياحهم لهذه الخطوة آملين أن توفر لهم الأمن والاستقرار الذي حرموا منه طويلاً، والعيش بعيداً عن الأوضاع الأمنية السيئة، التي كانت تشهدها أحياؤهم ومنازلهم بفعل الحوادث الأمنية المتكررة. بيد أن ما ينغص فرحة هؤلاء أن الانتشار أبقى على «مربع أمني» جديد ومساحة يتحرك فيها عناصر جند الشام، الذين قطعوا أمس الطريق بالعوائق المادية عند المدخل الأول لمخيم الطوارئ، على بعد عشرات الأمتار من آخر نقطة للجيش، في ظل انتشار مسلح لـ«الجندويين» ولا سيما خلال الليل، في خطوة قد تعبّر عن عدم رضاهم على ما يرونه بعض الخروق في انتشار الجيش. وعلم أن أكثر من اجتماع عقد على المستوى الفلسطيني من أجل توفير الاستقرار وسد بعض «الثغر» وحل الإشكالات العالقة، وتعقد هذه الاجتماعات بتنسيق عال مع الجيش اللبناني وقيادته.
ولفت أمس زيارة تفقدية لوحدات الجيش في التعمير لقائد الجيش العماد ميشال سليمان الذي جال على مواقع الانتشار، واطلع من الضباط على تفاصيله؛ وأثنى على السرعة في التنفيذ وحسن الأداء والانضباط العالي الذي أبداه العسكريون، وتوجه إليهم قائلاً: «لا ينبغي ان تهدر نقطة دم واحدة من لبناني أو فلسطيني على الأراضي اللبنانية أكان في صيدا، أم في طرابلس وبيروت، ولا حتى داخل المخيمات الفلسطينية، وإن وجهة البندقية الحقة هي باتجاه العدو الإسرائيلي، المكان الطبيعي لاسترجاع حقوقنا المشروعة في تحرير مزارع شبعا والإفراج عن الأسرى والمعتقلين من سجونه».
والصورة الراهنة للواقع «التعميري» يمكن تلخيصها بأن القسم الأكبر من محلة التعمير بات في عهدة الجيش اللبناني؛ وهذا القسم يشعر قاطنوه بالارتياح. وتقول سوسن عفارة: «نحمد الله على دخول الجيش بعدما عانينا كثيراً من فلتان الوضع وفوضى السلاح». وتطمئن إلى أنه ليس بوسع المسلحين بعد اليوم جعل منزلها الذي يصل الشارع التحتاني بالطريق الوسطى متراساً لإطلاق النار وترويع أطفالها الثلاثة؛ «لأن عناصر الجيش باتت تنتشر قرب منزلي ولا مجال لوصول المسلحين». أما القسم الثاني فيعتبر منطقة فراغ تمتد من آخر نقطة للجيش، بعشرات من الأمتار حتى حدود المدخل الأول للطوارئ، وفيه يشعر الأهالي بأنهم أضحوا خطوط تماس، ويبدون قلقاً في ما لو حصلت إشكالات مستقبلاً بين الجيش والمسلحين؛ وعندها ستكون منازلهم وأرواحهم تحت النيران المتبادلة.
أما القسم الباقي من محلة التعمير، وهو الأصغر، والذي يمتد من مدخل الطوارئ حتى مخيم عين الحلوة، فبقي خارج انتشار الجيش وتحت سيطرة المسلحين؛ لذلك تبدو التمنيات التي يطلقها قاطنو هذا الشطر من التعمير بشمول انتشار الجيش أحياءهم، حذرة «شو بدنا نقول يا خيي، ما بعدنا تحت رحمتهم (تقصد المسلحين)، ما منقدر نحكي شي هلق»؛ تقول أم أحمد التي تؤثر عدم ذكر كنيتها خوفاً، لكنها تستدرك «على كل حال أنا وعائلتي مش مطولين هون، منستأجر بصيدا وشو بدنا بها الطوشي».
وبطبيعة الحال ثمة من يشعر بأنه على الرغم من تضييق الخناق على جند الشام مع تقليص حجم المساحة، التي يوجدون عليها، فإن هناك من يرى أن التوتر نقل عملياً من مكان الى آخر، وبحل مؤقت، لكن ليس اجتثاثاً للمشكلة التي يعد المعنيون بأن الوضع ومهما بلغ من شد الحبال، لن يكون في النهاية الا لمصلحة كل أبناء التعمير.
في أحد الأزقة الداخلية للتعمير، كانت أم محمد وردة تقدّم القهوة الى عناصر الجـــيش وهي تردد: «الله يحميهم مثل أولادنا وصار لنا زمان ناطرينن... مبارح كان الرصاص مثل الشتي عم ينزل عليـــهم والحامي الله».