ابراهيم عوض
مصدر عسكري: القناصون لبنانيون تطاردهم القوى الأمنية وبين الموقوفين في «الكولا» سوريون وفلسطينييون

مرة أخرى يثبت الجيش اللبناني مقدرته على اعتماده معادلة توفق بين القرار السياسي والمصلحة الوطنية. هذا ما حصل في عام 2005 وهو ما يتكرر اليوم.
فقبل سنتين، إثر اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري وانطلاق ما سمي «ثورة الأرز» اندفع المتظاهرون فاحتلوا ساحة الشهداء رافعين شعارات على أنواعها تحمل على رئيس الجمهورية العماد إميل لحود والوجود السوري والقيادات الأمنية اللبنانية، حتى بلغت الحماسة أشدها، فصدرت تهديدات بالتوجه إلى السرايا والبرلمان لإسقاط حكومة الرئيس عمر كرامي. كما قامت تظاهرات مضادة مؤيدة لسوريا ولرئيسها بشار الأسد. وإزاء هذا المشهد المضطرب أصدر وزير الداخلية سليمان فرنجية حينذاك تعميماً إلى القوى الأمنية بمنع التظاهر، لكن ما حصل، خصوصاً في ساحة الشهداء، أظهر تساهلاً من عناصر الجيش بعدم منع المتظاهرين من الوصول إلى مكان التجمع لا رفضاً للتعليمات، بل تجنباً لصدام رآه حاصلاً لا محالة في حال إقدامه على استخدام القمع. وقد شرح قائد الجيش العماد ميشال سليمان في أكثر من مناسبة الخط الذي اعتمده العسكريون لمواجهة هذه الاوضاع، ومنطلقها التزام القرار السياسي بما يضمن في الوقت نفسه مصلحة الوطن والحفاظ على أمن اللبنانيين من دون استثناء والحؤول دون التعدي على مصالحهم وممتلكاتهم. من هنا يذكر المتابعون لمجريات «انتفاضة 14 آذار» أن توجيهات قيادة الجيش كانت واضحة لجهة حماية المؤسسات الرسمية ومنع الاقتراب منها أو التعرض لها، كما شملت الحفاظ على مقر الكتائب في الصيفي نظراً لأنه كان في «المقلب الآخر» متحالفاً مع الحكم.
بالأمس أعاد التاريخ نفسه مع بعض التعديلات. دعوة إلى الإضراب أطلقتها المعارضة ترد عليها السلطة ممثلة برئيس الحكومة فؤاد السنيورة داعية «الطلاب للذهاب الى مدارسهم، والناس لمزاولة اعمالهم». وتطلب من القوى الأمنية «ان تحمي المواطنين وتمنع قطع الطرق والتصدي لكل من يقوم بعمل ضد القانون بكل احتواء لأنهم أولادنا».
واذا كان السنيورة قد فاتته استحالة الجمع بين «التصدي» و«الاحتواء» فإن وزير الدفاع الياس المر تنبه لهذا الأمر وبدا أكثر إدراكاً لما سيحصل على الأرض، إذ أكد على تأمين الجيش لحرية التعبير والرأي والتظاهر، والتعاطي مع جميع الأفرقاء بمسافة واحدة وعدم انحيازه. وأعلن في الوقت نفسه عن قيام الجيش بتأمين الطرق في حال قطعها وإزالته للدواليب عند حرقها، مع إشارته إلى أن «حرق الدواليب يتم اينما كان ويحدث في كل دول العالم».
وهكذا قطعت الطرق واحرقت الدواليب، إلا أن الجيش تعامل معها وفق القاعدة التي اعتمدها مع «ثوار الأرز»، الأمر الذي أثار حفيظة عدد من قادتهم وفي مقدمهم رئيس اللقاء الديموقراطي النائب وليد جنبلاط ورئيس الهيئة التنفيذية لـ«القوات اللبنانية» سمير جعجع فاتّهما الجيش بالتقصير والتواطؤ مع المتظاهرين ولوحا باللجوء الى فتح الطرقات في حال امتناع الجيش عن ذلك، فيما عبر السنيورة بديبلوماسية عن استيائه مما جرى بقوله: «ان مسؤولية الحكومة اضافة الى واجبات الجيش والقوى الامنية لا تسمح بالتساهل او المساومة في أمر الصالح العام والنظام العام والسلم الأهلي واحترام القانون».
ولم تدع قيادة الجيش هذه الانتقادات تمر من دون الرد عليها لتبيان حقيقة الموقف وايضاح وجهة نظرها للرأي العام، فجاء ذلك عبر تعميم وجهته مديرية التوجيه في القيادة الى العسكريين اعتبرته اوساط سياسية متابعة بمثابة رسم بياني واضح المعالم للنهج الذي يعتمده الجيش في مواجهة المرحلة الراهنة، وان كان هناك من يرى فيه تكريساً لمقولة «الأمر لي» خصوصاً حين يتعلق الأمر هنا بصيانة السلم الأهلي.
اما أبرز ما تضمنه التعميم، بالإضافة الى المسلمات المشار اليها سابقاً، فكان تقبل الجيش لـ«تهمة التواطؤ» اذا كان ذلك يساوي في الحقيقة خلاص الشعب من محنته.
الا ان الكلام الأبلغ في ما يجب ان يكون عليه مسار الوطن ودور الجيش فقاله العماد سليمان أمس خلال تفقده مراكز انتشار وحدات الجيش في منطقة تعمير عين الحلوة، مشدداً على ان «وجهة البندقية الحقة هي في اتجاه العدو الاسرائيلي، المكان الطبيعي لاسترجاع حقوقنا المشروعة في تحرير مزارع شبعا والافراج عن الاسرى المعتقلين في سجونهم».
ويأتي موقف سليمان غداة اعلان قيادة الجيش عن فرض حظر التجول تعطيلاً للفتنة ونتيجة لادراك هذه القيادة خطورة «هدر الدماء» في غير مكانها الصحيح وما يعني ذلك من تهديد للعيش المشترك. ومن هنا قوبل القرار المذكور بترحيب من الموالاة والمعارضة.
ولم يحل حظر التجول من «تسكع» الشائعات والأخبار المفبركة، ومنها القاء القبض على قناصين اثنين فلسطيني وسوري وتسليمهما الى مخابرات الجيش، فيما اظهرت المعلومات التي توافرت لـ«الأخبار» من مصادر عسكرية مطلعة ان لا صحة لهذا الخبر، إذ تبين ان هناك عدداً من الموقوفين في منطقة الكولا بينهم سوريون وفلسطينييون بالاضافة الى لبنانيين شاركوا في اعمال الشغب، لكنهم لم يكونوا مسلحين. وأوضحت المصادر ان اعمال القنص قام بها افراد لبنانيون ينتمون الى منطقة معينة وقد بدأت القوى الأمنية تنفيذ عمليات دهم أمس لتوقيفهم استناداً الى الشرائط المصورة التي بُثَّت في عدد من محطات التلفزة وبناء على المعلومات التي تجمعت لديها. واكدت المصادر ان الجيش باشر أمس انتشاراً مركزاً في المناطق التي شهدت اشتباكات وصدامات، خصوصاً في الطريق الجديدة، لافتة الى خطورة ما نتج جراء ذلك من حركات نزوح بين منطقة وأخرى.