طارق ترشيشي
بلغت الأزمة المتفاقمة بين فريق السلطة والمعارضة مرحلة خطرة، وبات الجميع يعتقد بأن النزاع بين الطرفين قد يدخل أطواراً جديدة، ما لم تتبلور مبادرة سريعة ترسي حلاً يقبلان به ويشكل قاسماً مشتركاً بينهما ويدفع بالبلاد إلى آفاق الانفراج.
والبعض يعتقد أن ما حصل يومي الثلاثاء والخميس الماضيين شكل رسائل إلى جميع المتعاطين الداخليين والخارجيين بالشأن اللبناني، دلت على ما يمكن أن يكون عليه لبنان إذا لم تتوافر الحلول الناجعة للأزمة بين السلطة والمعارضة، فيما المبادرة العربية التي يقودها الأمين العام لجامعة الدول العربية عمرو موسى لا تزال متعثرة، بل متوقفة، على رغم «الجرعات المعنوية» التي تُعطى لها من خلال اتصالات مسؤولين بموسى أو اتصالاته هو بهم. وآخر ما رشح من معلومات يفيد بأن الرجل قد يعود إلى بيروت بعد غد الأربعاء إذا لمس معطيات مشجعة على استئناف هذه المبادرة.
وثبت للجميع حتى الآن أن الاتصالات والمساعي التي قام بها الجانبان السعودي والإيراني لم تتمكن من فتح ثغرة في الطريق المسدود، على رغم بعض الإيجابيات والتفاؤل الذي شاع في الوسط اللبناني أثناء الزيارات والاتصالات المتبادلة التي حصلت بين الرياض وطهران من خلال زيارة أمين المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني علي لاريجاني للرياض التي استتبعها بزيارة لدمشق، ثم زيارة رئيس مجلس الأمن القومي السعودي الأمير بندر بن سلطان لطهران التي ترافقت مع اتصال هاتفي جرى بين وزير الخارجية السعودي الأمير سعود الفيصل ونظيره الإيراني منوشهر متكي.
وإذ قيل في هذا المجال إن سبب عدم توافق الجانبين السعودي والإيراني على مبادرة أو مسعى مشترك لمعالجة الأزمة في لبنان، كان التباين بينهما حول قضايا إقليمية أُخرى تتصل بالأوضاع في العراق وفلسطين خصوصاً، وبالمنطقة عموماً، تحدثت معلومات عن دخول أميركي على خط المفاوضات عرقل حصول هذا التوافق، لأن واشنطن تضع الوضع اللبناني في صميم أجندتها، وتريد أن تتم معالجته على طريقتها. وقد استقوت واشنطن على ما يبدو بما تقرر من دعم وقروض للبنان من خلال مؤتمر «باريس 3» من أجل إبقاء جهاز التحكم بالوضع اللبناني في يدها، وخصوصاً أن القاصي والداني يعرف أن الحشد الدولي الذي شهده المؤتمر ما كان ليحصل لولا التدخل الأميركي المباشر لدى الدول والمؤسسات المالية الدولية التي شاركت فيه، ما يعني أن واشنطن أدارت المؤتمر والنتائج التي تمخض عنها في الاتجاه الذي يخدم مصالحها ومشاريعها في لبنان والمنطقة.
ولذا فإنه ليس لدى كثير من الأوساط السياسية اي اقتناع أو تفاؤل بإمكان توافر حلول للأزمة بين السلطة والمعارضة خارج الأجندة الأميركية التي ليس فيها أي مكان للمعارضة وتحديداً لـ«حزب الله» الذي انكشفت في الآونة الأخيرة خطط أميركية تستهدف دعم حكومة الرئيس فؤاد السنيورة لمواجهته، ما يعني أن واشنطن لم تتخلَّ بعد عن أوهامها بأنها تستطيع أن تهزم إيران وسوريا إذا تمكنت من تقويض «حزب الله» أو هزمه وحلفاءه في لبنان. وهذه الأوهام الأميركية تدفع فريق السلطة أو بعض أركانه إلى الاعتقاد بأنهم إذا تمكنوا من هزم المعارضة بكل أطيافها فإنهم سيضعفون النظام السوري (الذي يتهمونه بالتدخل في الشؤون الداخلية اللبنانية وبدعم المعارضة) ويصيبون منه مقتلاً. وهؤلاء يعتقدون بأنهم لا يخوضون معركة القبض على السلطة اللبنانية بكاملها فقط، بل أيضاً معركة إسقاط النظام السوري، بدليل تحالفهم مع بعض الرموز السورية المعارضة له، لأنهم يعتقدون بأن سقوطه يؤدي تلقائياً إلى سقوط المعارضة اللبنانية بكل فصائلها. وهم يراهنون على المشروع الأميركي ويعتقدون بأن الاستراتيجية الأميركية الجديدة في العراق التي أعلنها الرئيس جورج بوش تقوم على إلامساك ببلاد الرافدين عبر ضرب كل من سورية وإيران جارتي العراق مدخلاً لقيام «الشرق الأوسط الجديد» الذي لا تزال تحلم به.
ويبدو من خلال كل ذلك أن عدم نجاح المبادرة العربية وغيرها من المساعي التوفيقية سببه أولاً الموقف الأميركي الذي لم يتمكن بعد من هضم الهزيمة التي مني بها في عدوان تموز على لبنان الذي أدارته واشنطن بواسطة آلة الحرب الإسرائيلية المذخَّرة بالقنابل الأميركية وشكلت طعنة كبيرة لمشروع الشرق الأوسط الجديد الذي قالت عنه يومها الوزيرة كوندوليزا رايس إنه «في المخاض». وسببه الثاني هو تمنع فريق السلطة المستمر عن قبول الشراكة في القرار التي تطلبها المعارضة، واعتقاده بأن هذا القبول يشكل هزيمة له. لذلك فإن الأزمة مستمرة... وهي على الأرجح تستعد الآن لدخول فصول جديدة يأمل اللبنانيون أن تكون برداً وسلاماً على سلمهم الأهلي.