جوانا عازار
في الغرفتين 214 و215 في الطابق الثاني من مستشفى سيّدة المعونات في جبيل، يمكث كلّ من سهام يونس ومارك الحويّك، وهما «العونيّان»اللذان أصيبا بـ«رصاص الغدر» نهار الثلاثاء الماضي، وهما يلبّيان دعوة المعارضة للتظاهر

الساعة الثالثة والنصف فجر الثلاثاء، تركت سهام منزلها بعدما أنهت صلاة «تسعوية الأيقونة العجائبيّة»، وهي التي يصفها رفاقها بالمرأة الفولاذيّة التي لا تهدأ حين يتعلّق الأمر بنشاطات التيّار الوطني الحرّ.

«فجر الثلاثاء توجّهت ورفاقي الى أوتوستراد جبيل. كانت الساعة الخامسة تقريباً، والدنيا لا تزال مظلمة. كان الشباب يحرقون الدواليب، فيما ظهرت قبالتهم مجموعة من الشبّان تحمل العصي، وبعضهم يحمل مسدّسات، وآخرون يحملون نوعاً من المفرقعات الناريّة التي راحوا يرمونها في الجوّ». هكذا تصف سهام يونس المشهد قبيل تعرّضها للاعتداء، وتتابع قائلة: «سمعنا من هؤلاء الشبّان كلاما بذيئاً وشتائم لا يتخيّلها عقل. ووسط الهرج والمرج، أحسست بضربة أصابت ظهري، وأحسست بشيء ينفجر داخله. ظننتُ للوهلة الأولى أنّ الضربة هي ضربة حجر أو ضربة عصا، إلى أن سال الدم بين يديّ فعرفت أنّ الأمر أخطر من ذلك بكثير. ابتعدت عنهم وركضت نحو 50 متراً، الى أن انخفض ضغط دمي وراح العرق يتصبّب منّي، فجلست على الأرض عاجزة عن الوقوف أو عن التحرّكجبيل ــ
بقيت سهام مدّة على هذا النحو تنتظر من يقلّها الى المستشفى، وخصوصاً أنّ الصليب الأحمر لم يجدها فوراً. وهي، على الرغم من إصابتها، ظلّت واعية ولم تفقد ذاكرتها أو تركيزها للحظة واحدة، وكانت تتكلّم مع الجميع. لم تكن تعرف أنّ إصابتها خطرة وكانت معنويّاتها عالية جدّاً، وهي تقول «الدمعة لم تنزل من عينيّ، فضّلت أن أتحمّل ذلك شرط ألا يصيب مكروه أحداً من رفاقي»، مضيفة «كنت أتوجّه إلى الفريق الطبّي وأسأل ما إذا كان يمكنني أن أنزل إلى الأرض مجدّداً عندما يستأصلون الرصاصة من ظهري».
لا تفرغ غرفة سهام من الزوّار ولا يتوقّف هاتفها عن الرنين، وهي تجيب على الجميع والضحكة تزيّن وجهها مردّدة «بعدني قويّة، ربّنا بيعطي النعمة». وتقول سهام مازحة «ختيرت بالتيّار، صار بدّي خلوّ»، فهي تنشط في صفوف التيّار منذ 17 سنة وتقول عن مطلقي الرصاص إنّ سلاحهم الغدر ولم يقدروا على مواجهتها وجهاً لوجه، فاختاروا إطلاق الرصاص عليها من الخلف، وكانت الإصابة محكمة ومستهدفة، حسب قولها، وقد أصابتها فوق خاصرتها. وهي، إذ تقول «اللّه يسامحن»، تعود لتؤكّد أنّها تؤمن بالدولة، وأنّها على ثقة كاملة بأنّ القانون سيأخذ حقّه وأنّ العدالة ستأخذ مجراهاخضعت سهام لعمليّة جراحيّة استئصل خلالها طحالها. ستغادر مستشفى سيّدة المعونات الأسبوع المقبل، ولا تزال تردّد عالياً: «فدى لبنان وفدى الجنرال».
المستشفى نفسه يستضيف مارك الحويّك، الشاب المندفع الذي يصفه رفاقه بصاحب النكتة الدائمة والروح المرحة. أصيب الحويّك في النهار عينه، ويقول إنّه وصل الى المكان قبل بضع دقائق فقط من تعرّضه لإطلاق النار. كان الجوّ مظلماً والدواليب تشتعل، وكانت الحجارة، بحسب قوله، تتساقط على رؤوس المتظاهرين من كلّ الاتّجاهات، إضافة الى المفرقعات الناريّة. أصابته فجأة رصاصة في ظهره نُقل على أثرها الى مستشفى سيّدة مارتين القريبة وأجريت له الصور والفحوص، ثمّ نقلته سيّارة الإسعاف الى مستشفى سيّدة المعونات.
يتوجّه مارك الى مطلقي النار قائلاً: لماذا الغدر ولماذا أصبتموني من الخلف؟ ويقول عن إصابته إنّها دقيقة ولا يمكن أن تجرى له عمليّة تخوّفاً من إلحاق الضرر بالعصب وبالعمود الفقري. مارك يستقبل زوّاره ببسمة عريضة، ومعظمهم يحمل إليه الورود والزهور البرتقاليّة اللّون، وهو الذي يقول إنّه «عوني» منذ ولادته وإنّه سيبقى كذلك حتّى مماته.
وتجدر الإشارة الى أنّ المصاب الثالث جورج فرح خرج من المستشفى بعدما خضع لعمليّة جراحيّة وحاله في تحسّن مستمرّ.