عفيف دياب ـ نيبال الحايك
تحوز نقطة المصنع الحدودية في البقاع اهتماماً كبيراً مقارنة بـ«اخواتها» من نقاط العبور البرية في لبنان، فنادراً ما يُسمع باسم نقطة العبور في منطقة القاع رغم اهميتها الاستراتيجية أيضاً بصفتها نقطة عبور بري مع سوريا

عرفت الحدود البرية اللبنانية ــ السورية في منطقة البقاع منذ استقلال البلدين في مطلع اربعينيات القرن الماضي «نقاطاً» عدّة للعبور البري الرسمي، وكانت المراكز الجمركية مشتركة قبل أن تقفل نهائياً (جرود عرسال، جرود دير العشاير، جرود راشيا) وتحصر في نقطتين للعبور الرسمي في المصنع (مجدل عنجر) وفي القاع (قضاء الهرمل).
نالت نقطة المصنع الحدودية شهرة كبيرة لا تضاهيها شهرة «نقاط» اخرى مجداً وخلوداً في السياسة والاقتصاد والاجتماع والامن و«التهريب» المتنوع، والعلاقات «الملتبسة» بين لبنان وسوريا. اكثر من 60 شخصية من مختلف الاعمار قصدتهم «الأخبار» في مجدل عنجر لمعرفة مصدر اسم «المصنع» ولماذا اعطي هذا الاسم لنقطة العبور. تنوعت الاجابات ولكنها لم تعط «معلومة» حاسمة او مؤكدة، وإن أجمعت الأغلبية منهم على انه كان ثمة مصنع للدخان او «التنك» أو «الصابون» في مطلع ثلاثينيات القرن الماضي، فشاع اسم «المصنع» على المنطقة العقارية التابعة لمجدل عنجر وتحول لاحقاً إلى «مصنع حدودي» بين لبنان وسوريا «صنع» علاقات كرّ وفرّ.
عند باب «وادي الحرير» الذي شهد «خيمة» جمعت الرئيس فؤاد شهاب مع نظيره المصري جمال عبد الناصر في عام 1959، تتموضع عدة ابنية بعضها يتزين بقرميد احمر جميل تؤلّف نقاط العبور البري الرسمي من والى لبنان شيّدت في عام 1952 بعد ان كانت هناك نقطة عبور سورية ــ لبنانية مشتركة قبل «مقلب» المياه في اعالي الوادي. ويقول محمد النخلاوي، انه كان من العاملين في تشييد عدة مبانٍ في المصنع الذي يضم اليوم موقعاً للجمارك وآخر للأمن العام ومراكز أمنية وصحية وتجارية أخرى.
تبعد نقطة المصنع الحدودية عن جارتها السورية نحو عشرة كيلومترات، والمنطقة الفاصلة خالية من اي وجود رسمي لبناني او سوري، وتعرف باسم المنطقة «العازلة» بين البلدين. هذه المنطقة كانت افضل معبر لعمليات التهريب المتنوع بعيداً عن انظار الرقابة الرسمية.
مع الدخول السوري الى لبنان في عام 1976، اقيمت نقطة عبور موازية لا يحتاج عابرها الى الدخول او الخروج الرسمي بين البلدين. فاشتهرت النقطة الجديدة باسم «الخط» العسكري الذي كان مخصصاً لتحرك القوات العسكرية السورية، الى أن تحوّل الى اهم «خط» سياسي بين البلدين سرعان ما اقفل مع خروج آخر جندي سوري من لبنان في ربيع عام 2005.
وما زالت «نقطة» المصنع الحدودية في البقاع تحوز اهتمام الساسة. فهي دخلت القاموس السياسي اللبناني بصفتها نقطة «متهمة ومدانة» في تهريب الاسلحة من سوريا الى لبنان منذ الانسحاب السوري الرسمي. لكن زائر المصنع اليوم يلحظ الاجراءات الامنية المشددة التي تتخذها مختلف القوى الامنية اللبنانية. ويقول مصدر امني: «كل الكلام الذي تسمعونه عن عبور شاحنات محملة بالاسلحة ليس الا كذبة سياسية لأهداف محلية». ويطلب المصدر أن نقوم بجولة مراقبة للاطلاع على الاجراءات الامنية المتخذة.
يسجل يومياً في نقطة المصنع اكثر من 3 آلاف عابر، ذهاباً وإياباً، والعدد خاضع اليوم للتطورات السياسية في لبنان. فيما تشير مصادر الجمارك الى دخول وخروج اكثر من 500 شاحنة نقل ترانزيت في اليوم الواحد.
تحولت نقطة المصنع الحدودية الى سوق تجارية كبيرة على مدى 3 عقود (طوال الوجود السوري)، ويقول احد التجار الكبار في المنطقة إن نحو مليار ليرة سورية كان يتم تداولها يومياً قبل الانسحاب السوري، بينما اليوم لا يتجاوز الرقم بضع مئات من الآلاف. ويقول رئيس بلدية مجدل عنجر حسين ديب ياسين، إن نقطة المصنع «كانت حيوية لمجدل عنجر حيث ساهمت في ازدهار التجارة، اما اليوم فإن الحركة التجارية تراجعت بسبب تراجع العبور في المصنع»، مشيراً الى أن منطقة المصنع «بحاجة الى اهتمام وزارة الاشغال للحد من حوادث السير القاتلة، وتأمين الإنارة ليلاً حتى لا تبقى المنطقة موحشة»!!