طرابلس ــ نقولا طعمة
استضافت دار الإفتاء في طرابلس أواخر الأسبوع المنصرم لقاءات لفاعليات المدينة الدينية والسياسية والاجتماعية المختلفة بغية تخفيف التوتّر الناجم عن الأحداث التي شهدتها المدينة في الأسبوعين المنصرمين، خصوصاً إعادة التوتر إلى خطّ التماس السابق داخل أحياء المنطقة الواحدة في باب التبانة، والتي سقط بنتيجتها عدد من الضحايا.
وفي ظلّ التدابير التي يتّخذها الجيش اللبناني، عبّر أبناء المنطقة عن رفضهم الانجرار إلى صراع وأحداث دفعوا أثمانها غالياً من الأرواح والممتلكات، وذلك بإعادتهم الحياة والحيويّة إلى المنطقة بسرعة.
غالبية السكان والفئات في المنطقة تعلّمت أن التجربة التي مرّت بها كلّفتها ما لا يعوّض، وهي لا تريد العودة إلى الماضي الأسود. غير أن بعض المستفيدين من الماء العكر، والمسترزقين من العاطلين من العمل، لا يأبهون لما مرّ بمنطقتهم من ويلات، وقد لا يدركون ما لم يختبروه بسبب صغر سنّهم فينجرّون إلى التوتير بدون إدراك لمخاطره.
ونظراً لانعكاس الوضع في التبانة على طرابلس بكافة فئاتها وطوائفها وأحيائها، بادرت دار الافتاء، والأوقاف الاسلاميّة إلى جمع فاعليات المنطقة في لقاءين غلب عليهما رفض التوتير، والحفاظ على الوحدة الوطنية، ووحدة العيش الاجتماعي.
في لقاء أوّل جمع الفاعليّات الروحية من مختلف المشارب الطائفيّة والدينية والمذهبيّة، بحثت الأوضاع، وأبدى المشاركون خشيتهم من تصاعد التوتر، وناشدوا التهدئة في بيان دانوا فيه «الاحداث التي شهدها الوطن أخيراً، مؤكدين أن العيش المشترك كان وسيبقى الجامع بين اللبنانيين». وأكدوا على «ضرورة نبذ الفرقة والرقي في الكلام السياسي وعدم اللجوء الى اساليب اثارة الغرائز والنعرات والتحريض واعتماد العقلانية احتراماً لقيم الانسان». ووجهوا التحية «للجيش والقوى الامنية على الجهود المشرفة في حماية المواطنين، وطالبوا التشدد في قمع المخالفات القانونية من أي نوع كانت، خصوصاً ظاهرة حمل السلاح، وفضح وملاحقة ومحاسبة أي شخص أو جهة تعمل على اثارة الفتن وتحرض على الاقتتال بين الاخوة في الوطن. وناشدوا وسائل الاعلام كافة أن تؤدي الدور المنوط بها في التثقيف والمحبة ونبذ الخلاف والفتن لأن ممارسات بعض وسائل الاعلام تتجاوز هذه المبادئ، وباتت مساهماً في تأجيج الغرائز والتحريض المباشر والخصام والمواجهة».
وبدعوة من امين الفتوى في طرابلس الشيخ محمد طارق امام، عقد لقاء للفاعليات السياسية والنيابيّة والاجتماعيّة حضره ممثل الرئيس نجيب ميقاتي الدكتور عبد الإله ميقاتي، والنواب: سمير الجسر، مصباح الاحدب، محمد كبارة ومصطفى علوش، وعدد من الوجوه الشعبيّة المؤثرة، وحشد من رجال الدين في المدينة، وأئمة المساجد، وممثلون عن هيئات المجتمع المدني وأعضاء مجلس البلدية، جرى فيه عرض الاوضاع العامة في البلاد والأحداث الجارية فيها، وانعكاساتها في طرابلس والشمال عموماً، وأصدرالمجتمعون بياناً رأى أن «التصعيد الذي حصل ولا يزال يُدعى اليه، يمثّل خطراً على صيغة العيش المشترك ويكاد يقضي على الثقة والوفاق بين اللبنانيين»، وأن نقل الخلافات من مكانها الطبيعي داخل المؤسسات الدستورية التي يتمثل فيها اللبنانيون الى الشارع، وتسليم زمامها اليه لا يحل اي مشكلة، مثلما أن الخروج عن حق التعبير المشروع ينذر بالفتن والاخطار المصيرية ويهدد الكيان اللبناني».
وقال البيان ان «طرابلس ترفض رفضاً حاسماً كل مناخ يعيد البلاد الى جو الاقتتال ويحيي من جديد خطوط التماس بين ابناء الشعب الواحد، وتدعو مع ابناء الشمال والوطن الى الحفاظ على المنجزات الوطنية التي تحققت بعد الاحداث الاليمة التي عصفت بلبنان كي ينعم البلد بالاستقرار الذي يمكّنه من النهوض باقتصاده ويجعله اقوى في المواجهة مع العدو الاسرائيلي».