strong>استغلت سيدة بساطة زوجين ومرارتهما على وجود ولدهما في السجن، وما إن اكتشفت عمق لوعتهما ادعت قدرتها على تحقيق مبتغاهما وإعادته للحرية من خلال علاقاتها المزعومة بالقضاة، واستولت منهما على آلاف الدولارات لـ«رشوة» القاضي المعني بالقضية
أصدر القاضي المنفرد الجزائي في بيروت هاني حلمي الحجار حكماً قضى بإنزال عقوبة السجن سنة واحدة بحق «المدعوّة» ن. ش. لادّعائها رشوة أحد القضاة بمبلغ ماليّ أخذته من أهل أحد الأشخاص الذين يخضعون للمحاكمة، وتغريمها مبلغ عشرة ملايين ليرة، ومنعها من ممارسة حقوقها المدنية لعشر سنوات.
وذكرت وقائع الحكم أن الزوجين«أ. ي.» و«ج. ح.»، هما والد «ع. ي.» الموقوف بتهمة سرقة دراجة نارية، اتصلا بالمدعى عليها وطلبا مساعدتها في قضية ابنهما. فطلبت منهما أن يطلعاها على ملفه القانوني. وفي اليوم التالي، حضر والدا الموقوف ومعهما الملف. وبعد الاطلاع عليه، ذكرت لهما أن «أمره سهل»، وأنها ستتحدث مع «القاضي لمعرفة الكلفة». ثم ادّعت بأنها تجري اتصالاً بأحد القضاة، الذي خاطبته بـ«حضرة الريس». وبعد عشر دقائق من التحدث مع القاضي المزعوم، أعلمت الوالدين أنه طلب سبعة آلاف دولار أميركي لإخراج ابنهما من السجن، فطلبا منها خفض المبلغ، فوافقت على مبلغ خمسة آلاف دولار أميركي. وفي اليوم التالي، قام الوالدان بتسديد «دفعة على الحساب» قدرها ألفا دولار أميركي، ثم دفعا لها بعد أسبوعين مبلغ 550 دولاراً أميركياً بناءً على طلبها، على أساس أنها ستخرج ولدهما بكفالة مالية. وكانت دائماً تدّعي إجراء اتصالات مع قضاة من معارفها لتسهيل أمر إخلاء السبيل. وبتاريخ 23/6/2005، ذهبت المدعى عليها مع والدي الموقوف إلى قصر العدل لحضور جلسة إصدار الحكم بحق الابن، فما كان منها إلا أن طلبت منهما مغادرة المكان لأن الحكم سيصدر في وقت متأخر. وبعد مغادرتهما، اتصلت بهما لتطلب مبلغ ألف دولار أميركي لرشوة القاضي من أجل خفض الحكم إلى السجن مدة سنة ونصف سنة، وإلا فستكون مدته أربع سنوات ونصف سنة. كما ادّعت أن القاضي معها على «الخط التاني». وهنا ارتاب والد الموقوف من هذا التصرف، فطلب لقاءها. وعندما زارها في منزلها، فهمت من كلامه أنه لا يصدق قصة خفض الحكم. فاتصلت بالمحامي «م. ن.» مدعية أنه القاضي المزعوم، فقال الأخير لوالد الموقوف إن الحكم بحق ابنه كان أربع سنوات ونصف سنة وإن المدعى عليها «اشتغلت لخفضه»، غير أن الوالد لم يقتنع بهذه الحجج وسارع إلى تقديم دعوى ضدها.
وفي التحقيقات الأولية مع المدعى عليها، ادّعت معرفتها بعدد من القضاة «الذين تستشيرهم بقضايا شخصية»، وأنها استشارتهم بقضية الموقوف. كما أكدت أنها كانت تتصل بالمحامي «م. ن.» مخاطبة إياه بصفة «حضرة الريس». أما في إفادتها أمام قاضي التحقيق، فذكرت أنها لا تعرف أحداً من القضاة، وأنها معتادة على مخاطبة المحامي «م. ن.» بصفة «الريس».
وبناء عليه قررت المحكمة إحالة أوراق الملف على النيابة العامة الاستئنافية في بيروت لاتخاذ القرار بشأن ملاحقة المحامي المذكور، إلاّ أن الأخيرة ارتأت «عدم وجود موجب لملاحقته». ولاحقاً عاد المدعيان وأسقطا حقوقهما الشخصية عن المدعى عليها.
وخلصت القضية إلى حكم أصدره القاضي الحجار بحق «ن. ش.» وقضى بإنزال عقوبة الحبس بها لمدة سنة وتغريمها مبلغ عشرة ملايين ليرة ومنعها من ممارسة حقوقها المدنية (الوظيفة والانتخاب والترشح ونيل الأوسمة) لمدة عشر سنوات.
هذه الواقعة لم تكن الأولى ولن تكون الأخيرة، فالكثير من الناس وقعوا ضحايا أعمال مشابهة وكانوا صيداً سهلاً لبارعين في هذا الحقل على اعتبار أن ثقافة الرشوة تعم كل الإدارات الرسمية اللبنانية، وفي ذهن السواد الأعظم من الناس أن أي معاملة لا يمكن إنجازها ما لم يبادر صاحبها إلى دفع «الإكرامية» بالتي هي أحسن.
(الأخبار)