طارق ترشيشي
بعد الهزيمة الإسرائيلية في حرب تموز الماضي عسكرياً، حاولت الإدارة الأميركية إحداث توازن بـ«الانتصار» سياسياً في بيروت وتل أبيب، في بيروت عبر الانقضاض على المقاومة وتحميلها مسؤولية الحرب بشرياً واقتصادياً وسياسياً، ومن ثم دفعها إلى مغادرة السلطة أو إلى تغطية سياسة الأكثرية الحاكمة شاهدَ زور، وبالتالي إسقاطها سياسياً وإضعافها جماهيرياً بحيث يمكن تعويض الفشل في نزع سلاح المقاومة العسكري بالعمل على نزع سلاحها الشعبي والسياسي، ما يعرِّيها من التغطية السياسية والشعبية.
وعملت الإدارة الأميركية في المقلب الآخر على دعم القيادة السياسية والعسكرية الإسرائيلية ومنعها من السقوط لعدم تثمير انتصار المقاومة في الداخل الإسرائيلي، أو على الأقل، تأجيل إعلان الهزيمة أو تلطيف توصيفها وفي نهاية المطاف التضحية بالقيادة العسكرية إذا لزم الأمر، والاحتفاظ بالقيادة السياسية المتمثلة برئيس الحكومة إيهود أولمرت ووزير الدفاع عمير بيرتس اللذين نفذا ما طُلِب منهما أميركياً بشن الحرب على لبنان بالوكالة عن الأميركيين لإنقاذهم في العراق من خلال قطع المخالب السورية والإيرانية في لبنان بحسب ادعاء الولايات المتحدة.
وحاولت واشنطن وحلفاؤها الغربيون، وفي مقدمهم فرنسا وبريطانيا، الاحتفاظ بـ«البطيختين السياسيتين» في يد واحدة: حكومة الرئيس فؤاد السنيورة، وحكومة أولمرت للتعويض عن فشل ولادة «الشرق الأوسط الجديد» الأميركي الصنع، بحيث توضع المقاومة بين مطرقة حكومة السنيورة وسندان حكومة أولمرت، وذلك من خلال أدوات تتخذ صفة العدالة ظاهرياً (المحكمة ذات الطابع الدولي الخاصة بجريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري) ككلام حق يراد به باطل، أو من خلال الإصلاحات الاقتصادية التي ترهق جمهور المقاومة بالإضافة إلى الشعب اللبناني الذي ينتمي بغالبيته إلى الطبقات الفقيرة.
وفي المقلب الآخر أيضاً حاولت واشنطن جذب الرأي العام الإسرائيلي إلى ساحة هامشية من خلال تسليط الضوء على قضية التحرش الجنسي للرئيس الإسرائيلي موشيه كاتساف لإبعاد الأنظار عن أولمرت وإشغال الإعلام عن المشكلة الرئيسية الإسرائيلية وهي الهزيمة السياسية والعسكرية في لبنان، بالإضافة إلى إشعال الفتنة الداخلية الفلسطينية عبر محمد دحلان الذي التقته الوزيرة كوندوليزا رايس خلافاً للبروتوكول، إذ إنه لا يحمل أي لقب على المستوى الرسمي.
وقد عملت واشنطن في الوقت نفسه على خطين متوازيين: القرع على «الطبل اللبناني» من خلال مؤتمر «باريس ــ3»، والقرع على «الطبل الإسرائيلي» من خلال الفضائح الجنسية لكاتساف والفتنة الداخلية الفلسطينية. لكنها عندما اقتنعت بصعوبة الاحتفاظ بالبطيختين سارعت إلى نُصح رئيس مجلس الأمن القومي السعودي الأمير بندر بن سلطان بزيارة إيران بغية ترتيب تسوية للأزمة بين السلطة والمعارضة برعاية سعودية ــ إيرانية تحفظ رأس السنيورة وحكومته، في وقت تعمل فيه على استبدال أولمرت في رئاسة طكاديما» لمصلحة وزيرة الخارجية تسيبي ليفني في مواجهة بنيامين نتنياهو في معركة رئاسة الحكومة. بينما يجهد أولمرت للتخلص من الأحمال الزائدة عسكرياً وسياسياً للنجاة من السقوط، إذ بعد تخلصه من رئيس الأركان دان حالوتس بالاستقالة، يحاول التخلص من عامير بيرتس في وزارة الدفاع بتغيير الحقائب ضمن التغيير الحكومي، علَّه ينقذ نفسه.
لكن المراقبين السياسيين يتساءلون: من سيسقط اولاً أولمرت أم السنيورة؟ ومن منهما يحقق المصلحة الأميركية ببقائه؟
المعطيات تدل على أن الإدارة الأميركية اتخذت قراراً بحماية السنيورة وحكومته كرأس جسر في المنطقة ما دام التغيير في إسرائيل مهما كان شكله أو مضمونه لا يخرج عن المظلة أو الإمرة أو البيدر الأميركي.
ولذا فإن كل التسويات المطروحة لمعالجة الأزمة بين السلطة والمعارضة تؤكد على وجوب الحفاظ على السنيورة لما يشكل من ربح معنوي ومادي للمشروع الأميركي حتى لو تطلَّب الأمر التخلص من «الأحمال الزائدة» في لبنان من «الأوزان الثقيلة» كالنائب وليد جنبلاط والدكتور سمير جعجع أو من الأوزان الخفيفة مثل بعض أقطاب الفريق الحاكم، وخصوصاً أن الأميركيين يحاولون بناء رديف للنائب سعد الحريري في القيادة السُّنية باعتماد مبدأ المناورة والتكتيك في بعض المفاصل لعدم إحراج المملكة العربية السعودية واتفاقاتها وتعهداتها الإقليمية التي تجعل الحريري خاضعاً للتأثير السعودي نتيجة خصوصية علاقته بالرياض، بينما لا يُحرج السنيورة من هذه العلاقة ويستطيع التملص منها، ما يتيح لواشنطن التملص من بعض المفاوضات، وخصوصاً أن بعض المعلومات تؤكد أن جولة المفاوضات الجديدة بين الرياض وطهران وجامعة الدول العربية والأطراف اللبنانيين المتنازعين تهدف إلى كسب الوقت في انتظار ما ستؤدي إليه المساعي السعودية لإنهاء الأزمة بين الفلسطينيين، وكذلك في انتظار ما ستؤدي إليه المناقشات الأميركية بين الرئيس جورج بوش والديموقراطيين لاتخاذ القرار النهائي بحجم التنازلات أو التسويات الداخلية والإقليمية، مع إبقاء حال التوتر سائدة على الساحة اللبنانية .
وفي انتظار ذلك يبقى السؤال يتكرر : من سيسقط أولاً ؟ أولمرت أم السنيورة؟ والجواب سيتبلور في الأسابيع المقبلة.