الضنية ــ عبد الكافي الصمد
تنطبق مقولة «مصائب قوم عند قوم فوائد» على العلاقة بين مأموري الأحراج والناشطين البيئيين في الضنّية والمناطق الأخرى المجاورة لها من جهة، وتجار الحطب والفحم والمعتدين على البيئة من جهة أخرى، بعدما استغل الأخيرون بشكل واسع حالة الإرباك السائدة في البلاد، نتيجة الأزمة السياسية المتفاقمة، فعمدوا الى ارتكاب «مجازر» بيئية كبيرة في حق مساحات واسعة من الأحراج في المنطقة، لاعتبارهم ان انشغال كبار المسؤولين في الدولة بخلافاتهم، من شأنه ان يُسهّل عليهم تجاوزاتهم من غير حسيب أو رقيب.
فمنذ نحو شهر ونصف تقريباً، ازدادت على نحو ملحوظ مشاهد شاحنات النقل الصغيرة والمتوسطة الممتلئة بجذوع الأشجار الحرجية والمُعمّرة، وهي آتية من المناطق الجردية في اتجاه المناطق الساحلية من الضنّية، أو نحو مدينة طرابلس وجوارها.
وفي هذا الشأن، تفيد دوائر مصلحة وزارة الزراعة في الشمال ان شهر كانون الثاني الماضي، قد شهد ارتفاعاً كبيراً لجهة تسطير محاضر ضبط في حق المخالفين، وصل الى 17 محضراً، وهو رقم غير مسبوق في المنطقة، من غير إغفال الذين يعتدون على الأشجار الحرجية وهم مسلّحون برخص قانونية غالباً ما يستخدمونها غطاءً لتجاوزاتهم، فضلاً عن الذين يقومون بتعدياتهم بعيداً من الأنظار.
وبدت ظاهرة ارتفاع وتيرة التعديات على المناطق الحرجية في الضنّية لافتة للعيان في الآونة الأخيرة، وتحديداً عند مجرى نهر موسى الذي يفصل المنطقة عن عكار، حيث يلاحظ ان المنطقة الممتدة من قرب نقطة عيون السمك ساحلاً، وصولاً إلى أقصى أعالي وادي جهنم صعوداً، عند نقطة التقاطع التي تلتقي فيها الحدود الإدارية لأقضية الضنّية وعكار والهرمل، قد أصبحت شبه جرداء، وتغيّرت معالمها على نحو كبير، مقارنة مع ما كانت عليه العام الماضي، و«كأن يد حلاق ماهر قد أجهزت على الأشجار فيها، من دون أي رحمة أو وعي على ما يُقدم عليه»، حسب ما أفاد أحد مأموري الأحراج في المنطقة لـ«الأخبار».
وتعتبر هذه المنطقة واحدة من المناطق التي تشهد أغلب الأحيان تعديات واسعة على أحراجها، نظراً إلى وعورتها وصعوبة الوصول إليها إلا بالجرارات الزراعية، أو عبر الاستعانة بالدواب، الأمر الذي أبقاها بعيدة من الأنظار، ما سهّل على المعتدين الاستمرار في تجاوزاتهم، مستخدمين في سبيل ذلك كل السبل والوسائل المتاحة أمامهم، بما فيها المناشير الآلية، والحبال التي يتدلون بها لقطع الأشجار المعمرة التي لا يمكن الوصول إليها عند الأقدام، إلى جانب إنشاء المشاحر في تلك المنطقة النائية بهدف إنتاج الفحم.
وقد دفع هذا الوضع المتدهور في هذا المجال مصلحة الزراعة في الشمال الى وقف إعطاء رخص التشحيل في بعض المناطق، كالبترون مثلاً، بعدما تجاوز عدد الرخص المعطاة في تلك المنطقة الحدّ المعتاد، الى جانب التشدد في إعطاء رخص مماثلة في مناطق أخرى كالضنّية وبشري وعكار، بسبب عدم التزام مضامينها، من غير أن يساهم ذلك في وقف الاعتداءات البيئية في المنطقة، نظراً إلى كون من يقومون بهذه الأعمال يمتلكون خبرة عدم الوقوع في قبضة العدد المحدود المتوافر من مأموري الأحراج، فضلاً عن اطمئنان المخالفين الى أن أيّ محاكمة لهم لن تجري قبل مرور عدة سنوات!
وقد أوضحت أوساط مصلحة الزراعة في الشمال ان «حلّ هذه المشكلة المتفاقمة، أو الحدّ منها في أضعف الأحوال، يكون عبر الاستعانة بالقوى الأمنية المختلفة، التي ينبغي إعطاء الصلاحيات لها من أجل تسطير محاضر الضبط في حق المخالفين، وإيقافهم عند الاشتباه بهم، وإحالتهم على النيابة العامة إن اقتضى الأمر».
وإذ اعتبرت هذه الأوساط ان «البرد القارس الذي يضرب المناطق الجردية الشمالية هذه الأيام، الى جانب عدم قدرة أكثرية سكان هذه المناطق على تحمّل أعباء شراء مادتي المازوت والغاز، أو استخدام الكهرباء للتدفئة، بسبب تدنّي قدراتهم الشرائية، قد يكون مبرراً لبعض الاعتداءات، فإن إقدام أكثرية المعتدين على ذلك بهدف الاتجار وتحقيق الأرباح، بات يستدعي إجراءات أكثر صرامة، من أجل وضع حدّ لتجاوزات من شأنها أن تؤدي الى تغيير المعالم الطبيعية والبيئية في المنطقة خلال السنوات القليلة المقبلة».